الحرب ترفع معدلات العنف والانتهاكات ضد النساء في مناطق النزاع السوداني
مشاوير _تقرير - منهاج حمدي
مع تطاول أمد الحرب في السودان وتمددها نحو مدن جديدة، تفاقمت مستويات العنف ضد النساء الذي اتخذ أبعاداً مروعة خصوصاً بعد تزايد الانتهاكات، من بينها قتل واعتداءات جنسية ونزوح وفقدان الخصوصية، وكذلك اختفاء قسري وزواج قاصرات.
اعتداءات جنسية
حملة “معاً ضد الاغتصاب الجنسي”، وثقت خلال الفترة ما بين الـ 30 من يونيو والـ 30 من يوليو 54 حالة اغتصاب بينها خمس لطفلات، منها 28 حالة في الخرطوم وولاية الجزيرة، و19 بمدينة الفاشر في إقليم شمال دارفور، وكذلك سبع حالات بولاية النيل الأبيض.
ودعت الحملة إلى “حظر سلاح الاغتصاب والعنف الجنسي في حرب السودان مع ضرورة التنسيق والتعاون مع الأفراد والجماعات المحلية والإقليمية والدولية”، وأعلنت الحملة عن دعم الناجيات وتوفير الحماية للضحايا وتحسين الظروف الاجتماعية والقانونية للمتضررين وتحقيق العدالة على المستويين المحلي والدولي.
في حين، لفتت لجنة الأطباء التابعة للبعثة الدولية لتقصي الحقائق ورصد الانتهاكات في حرب السودان إلى تسجيل 417 حالة اغتصاب على الأقل، وفي المقابل أفادت مجموعات حقوقية وطبية بأن العدد المسجل بلغ 370 حالة.
وفي السياق تروي كلتوم، وهو اسم مستعار اختارته خوفاً من الوصمة أو الاعتقال “أنها “تعرضت للاغتصاب من قبل مجموعة مسلحة في ولاية جنوب كردفان، وذلك في طريق عودتها من إحدى القرى، إذ جذبوها بقوة إلى أحد المباني وتناوبوا على اغتصابها حتى غابت عن الوعي واستيقظت ووجدت نفسها مضرجة بالدماء.
وأضافت، “ليتني أتمكن من نسيان ذلك اليوم، أو أكون في عداد الموتى قبل أن أرى ما حدث، فقد كان يوماً عصيباً بالنسبة لي وعشت لحظات قاسية، وكثيراً ما سمعت من الفتيات قصص الانتهاكات التي يروينها، لكنني لم أكن أتوقع يوماً أن أكون أنا الضحية”.
حملات انتقامية في الجزيرة
إلى ذلك، تشهد مناطق شرق وغرب ولاية الجزيرة، انتهاكات دموية وتنكيلاً بالمدنيين تشنها قوات “الدعم السريع”، حيث طالت النساء بمختلف الأعمار، إذ بلغت حصيلة القتلى أكثر من 460 من الشباب والأطفال والنساء والشيوخ في تصفيات دموية متعمدة، إلى جانب العشرات من حالات الاغتصاب للنساء.
وقالت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان، وهي هيئة حكومية، في بيان إنها تلقت أنباء عن تعرض نساء في قرى ولاية الجزيرة للاغتصاب على يد جنود من قوات “الدعم السريع” بهدف إذلال الرجال وطرد الأشخاص من المنطقة.
بدورها، قالت مبادرة “لا لقهر النساء” في السودان إن “النساء يعشن ظروفاً سيئة من الناحية الإنسانية في ظل الحرب التي أحدثت أضراراً بالغة وخلقت آثاراً وخيمة، وواجهت الكثيرات من السودانيات التشرد والنزوح والاعتقال والاغتصاب والخطف والإخفاء القسري وفقدان الأبناء والبنات.
وأشارت إلى أن “أعداد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي في زيادة كل يوم، ولذلك يتعذر حصر الأعداد بشكل دقيق”.
ضحايا الاختفاء القسري
وفي شأن حالات الاختفاء القسري، أعلن تقرير صادر عن المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري ارتفاع الحالات، إذ بلغت 993 مفقوداً، بينهم 96 امرأة.
وشهدت مدن ود مدني والكاملين والحصاحيصا بولاية الجزيرة، وكذلك مدينة الرهد في ولاية شمال كردفان ومنطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم تزايد أعداد المفقودين.
وقيدت المجموعة السودانية بعد الحصول على موافقة النيابة العامة، دعاوي جنائية بشأن 451 مفقوداً منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
زواج القاصرات
ضاعفت الحرب في السودان تفشي زواج القاصرات في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، ودفعت الحاجة إلى حماية الفتيات من العنف الجنسي المتصل بالنزاع بعض الأسر إلى تزويج اليافعات أو بدوافع اجتماعية، أو للجوء الأب لتزويج ابنته حفاظاً عليها من الخطف في مناطق تشهد توترات.
ليلى إحدى ضحايا الزواج المبكر في قرى ولاية شمال كردفان، تحدثت عن تجربتها بأسى : “شجعتني والدتي على الزواج من شخص قريب من الأسرة وأنا في (الخامسة عشرة) من عمري، وقد رأت عائلتي أن تزايد معدل اختطاف الفتيات في المنطقة بسبب الحرب وانتشار المجموعات المسلحة من طرفي الصراع سيطال كل فتاة، لذلك فإن الزواج هو الخيار الأمثل. وأضافت: “اكتملت المراسم، في مطلع أغسطس الماضي، وانتقلت إلى ولاية بعيدة عن كردفان وأخشى من عواقب وخيمة في المستقبل”.
آثار نفسية واجتماعية
في السياق تقول، الاختصاصية الاجتماعية والنفسية سميرة الزين إن “الظروف التي تواجهها المرأة السودانية عموماً تجعلها قوية، لكن أوضاع الحرب زادت عليها الضغوط بصورة أكبر، نتيجة العنف بأشكاله كافة، فضلاً عن النزوح وفقدان الاستقرار وغيرها من الأسباب.
وأضافت أن “بعض النساء تعرضن لاعتداء جنسي وابتزاز، مما خلف لديهن آثاراً نفسية ونوبات قلق واكتئاب وعصبية مفرطة، وبتن يفقدن الأمان ويتوقعن دائماً تكرار مثل هذه التجارب، وهو ما يضعهن في حالة غير مستقرة.
أما بالنسبة إلى الآثار النفسية والاجتماعية التي تظهر على النساء اللاتي تعرضن للعنف على المدى البعيد، فيمكن أن تتمثل “في الإحساس الدائم بالخوف والميل للكآبة والإحباط وصعوبة التواصل مع الأصدقاء المقربين والعجز والخوف من إقامة صداقات جديدة للشعور بالدونية، وتفضيل العزلة الاجتماعية نتيجة الإحساس بالخزي والعار من كونهن نساء.
ولفتت الاختصاصية الاجتماعية والنفسية إلى أن “العنف ضد المرأة يمثل حاجزاً في سبيل تحقيق المساواة والتنمية والسلام، وكذلك استيفاء الحقوق الإنسانية للنساء.
وأشارت إلى أن “زواج القاصرات جريمة بكل المقاييس، إنسانية وحقوقية واجتماعية، وأسهمت آثار الحروب في تزايد نسبة زواج اليافعات، خصوصاً في المدن التي تشهد نزاعات وانتقال الأسر من المناطق الحضرية إلى مخيمات النزوح دون النظر إلى العواقب، بل إن مجتمعات ريفية يندرج ضمن عاداتها وتقاليدها الاجتماعية تزويج القاصرات.
ونبهت سميرة الزين من أن “آلاف الفتيات حرمن من حقهن في التعليم والاختيار في ما يخص شريك حياتهن، وأن معظم هذه الزيجات يتم خارج المحاكم وبعقد زواج معتمد فقط من مأذون شرعي، بالتالي يتحول معظمها إلى حالات طلاق.