ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال، والسبب في ذلك بأني لم أحظ بلقاء راحتنا دينق قوج أيويل، رغم ذلك فقد تواصلنا عبر البريد الإلكتروني والواتس اب لما فاق السبع سنوات، انجزنا خلالها عبر دار رفيقي طباعة ونشر مطبوعتين، الاولى مقالات في الأدب والسياسة عن جنوب السودان، الثاني الجزء السادس من سلسلة مجموعة وجوه ” سرد من شارع الحياة اليوماتي” .
تواصلنا في العام ٢٠٢١ ليخبرني بأن سلسلة وجوه قد إنضمت إلى مكتبة الكونجرس، دينق قوج رغم انضمامه المبكر للحركة الشعبية لتحرير السودان كأحد قادة العمل السري بالداخل” سودان ما قبل الانفصال” إلا أن شخصية المثقف والصحفي رجحت انتماءه إليها أكثر من السياسي، فتمكن في علو كعب من وزن المعادلة في سياق علاقة المثقف والسلطة، فخالت عليه عباءة المثقف المنتمي، تجد اثر ذلك في كتاباته التي تبلور عمق العلاقات بين السودانيين في عمق بأن التواريخ الاجتماعية والمواطنة والعيش الجغرافي في سودان قبل الانفصال/ الاستقلال، لا يمكن إقتلاعه لانه وجدان وان صار تاريخياً لكنه مسور بحق الملكية لمن عاشوا تلك المرحلة، ولا يحق لبعض القادة السياسيين الذين لم يعدوا إلى ذاك السلم ديمقراطيا لكن على اكتاف سلطة دكتاتورية التبجح بفهم السيادة عن الخوض في الشأن السوداني، فكك ذاك الزعم بأدوات مثقف عضوي، فبين الخرطوم وجوبا، كانت حرب السنين، وانفصال /استقلال باسباب راكمها إسلاميو السلطة وليس الشعب السوداني، استقل جنوب السودان فهجم الاسلاميون على المدارس والروابط المسيحية، و الصحف التي امتلك فيها من انحدرت أصولهم من الجنوب حصص في التأسيس،فكانت دار رفيقي للطباعة والنشر رد فعل أنيق، رفيقي المشتقة من اللغة السواحلية تعني ” الصاحب/ الصديق” بذرة لحركة تنوير سبقت الكهرباء العامة وخطوط المياه بعاصمة جنوب السودان.
الصحفي المحترف فقد كانت كتاباته ذكية منذ صحيفة أجراس الحرية، نقل تلك النكهة المسكونة باللطف إلى الوسائط الاجتماعية، فظلت كتاباته على حسابه بالفيس بوك، فهي ماتعة في انثربلوجيتها حينما يرتبط الأمر بالسودانيين، فاحترف كيف ” يفلي” التاريخ الاجتماعي من سطور تعمد لاستغلالها سياسيا دون معارف، دينق قوج البرلماني القريب من شارعه.
دينق قوج فنان من طراز فريد، يضعه الحال في سياق المخرج والمصور والتشكيلي والمصمم البارع، قبل أشهر نشر صورا لزفافه من شريكته الثانية نادية مجاك، كأن تجسيدا لطقس حياة الدينكا، حملنا في فيلم تصويري للمقاربة والتفكير في الطقوس والاعراف للعرس عند الدينكا، كسرا للابتسار المعرفي الذي ظل يربط المهور بعدد الأبقار فقط .
في محنة حرب السودان، واضطرار الفرق الرياضية للعب بعض المباريات بجوبا، كان دينق قوج وشابات/ب جنوب سودانيين المعادل للجمهور الذي غيب من استادات الخرطوم/ واستادات العرضة الامدرمانية، فذاك هو دينق قوج المثقف العالي الكعب المنحاز إلى الشعب والرياضة، ابتسامته في استاد جوبا رغم هزيمة منتخب بلاده كانت تعبيرا” للروح الرياضية” فلكم وكم قابل امثاله ممن تعسفت السلطات السياسية بالسودان تجاههم عقب الانفصال/ الاستقلال ما حدث بوعي، فدينق قوج من اوائل من جردتهم الخرطوم بعسف من الجنسية والجواز عقب اعلان الاستفتاء، رغم ذلك فقد كان وعيه اذكى وارسخ بأنه فعل لن يمس الوجدان لانه ذاكرة تحمل قيما ومحبة جزما ليست في خيالهم حتى، فالمثقفون أنبياء قضاياهم.
رحيل دينق قوج، وجع لامس الكثيرات/ن على امتداد السودانيين، لم يتمكن فريق من ادعاء الانتماء اليه بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان، لأن ميلاد دينق قوج وحبه للسودانيين انتماء فاق علولا غير من الانتماءات، فاجدني في هذا المقال ان ابصم بكل ثقة بأنه في خانة الجنسية يكتب: دينق قوج : السودانيين.
كتب عنه من عرفوه عن قرب من أطياف مختلفة، كتابة لأول مرة التمعن فيها رغم الحدود الدولية بين السودانيبن يبعث على الاطمئنان بأن الوجدان معمد بصلصال خلود من طين نهر النيل، هذا الاستفتاء الشعبي حول دينق قوج ” محبه وريد في الله”، بما يجعلني ادعو كل الذين كتبوا في ذكراه ان يتوج هذا الاثر بسفر يصدر عن دار رفيقي فما احوجنا للتوثيق لدينق قوج ولدار رفيقي بما يضعهما في ذاكرة التاريخ الخالد .
التعازي لاسرته، ورفاقه،واصدقائه ولشعوب السودانيين ولمن عرفوه .