آداب وفنون

المسرح التفاعلى..تجارب سودانية

كوجاك ومسرح الكارو

 

السرالسيد (*)

 

قبل الولوج فى تجربة “مسرح الكارو” سأتوقف ولو قليلا عند سيرة مبدع التجربة.ولد الممثل والمخرج والمؤلف “عزالدين على سليمان” والذى اشتهر بعد ذلك ب”عزالدين كوجاك” فى مدينة ود مدنى جنوب العاصمة الخرطوم فى العام 1958 وعن دخوله الى عالم فن المسرح يقول فى البرنامج الذى استضيف فيه وبث فى قناة سودانية 24: (انه فى الاصل كان منشدا ومادحا وان دخوله الى عالم المسرح والذى بدأ بالتمثيل جاء مصادفة وكان ذلك فى الدورة المدرسية الرابعة والتى اقيمت فى ود مدنى فى العام 1977، فقد تصادف ان كنا نحن طلاب مدرسة الهوارة فى معسكر نستعد للمنافسات ان توفيت والدة احد الممثلين فى العرض والذى كان “مسرحية انتهت الجلسة” للكاتب المصرى عبد المنعم سليم ولما كنت وبحكم وجودنا فى “معسكر” من المداومين على حضور البروفات فقد كنت البديل المناسب للقيام بالدور ومصادفة ايضا كنت حليقا “صلعة” وكان الممثل الامريكى كوجاك فى اوج تألقه فأطلق على اسم كوجاك ومنذ تلك المصادفة اصبحت مسرحيا واصبح اسم شهرتى كوجاك)1.. تسجل ذاكرة المسرح فى مدينة ودمدنى انه اسس فى العام 1978 فرقة المكى المسرحى وانه شارك مع اخرين فى تاسيس فرقة الخليل فى العام 1979 كما انضم ايضا لفرقة عرفات وشارك معها فى مسرحية المهرج للماغوط وانه شارك فى مهرجان الثقافة الاول بمسرح الجزيرة بمسرحية “انكسر المرق” التى فازت بالجائزة الاولى..اشتهر كوجاك بالتنقل بعروضه داخل احياء ودمدنى وخارجها،كما اشتهر بشكل خاص بتقديم عروضه فى المدارس والجامعات والاصلاحيات والسجون وبيوت الاعراس بل فى المساجد والكنائس فقد قدم عرضا عن المخدرات فى مسجد الختمية بجزيرة الفيل وعرضا فى الكنيسة القبطية بودمدنى..يمكن القول انه طاف معظم ولايات السودان ونذكر هنا انه قدم عروضا فى سجن الهدى بامدرمان وفى رفاعة وفى بنطون شندى وفى كبوشية وفى الدويم وفى الخرطوم.من اعماله نذكر: “الارضة اكلت المستندات” و”المرحوم فى فك التسجيلات” و”مجانين تحت التمرين” و”الدنيا دلوكة” و”الدفن فى مقابر الحكومة” و “لنا قضية”، هذا اضافة الى الكثير من العروض حاملة الرسائل المباشرة والتى سنتوقف عندها ،عند تناولنا لعروض مسرح الكارو.

مسرح الكارو:

فى الكشف عن علاقة عروض مسرح الكارو بالمسرح التفاعلى سأعود مرة اخرى الى (حوار قناة سودانية 24)2..، فقد اشار كوجاك وبالكثير من القلق والاسى الى تراجع جمهور المسرح وذكر الكثير من الاسباب لهذا التراجع واشار وبالنص انه تمرد على صيغة المسرح التقليدى لسببين: الاول تراجع جمهور المسرح من ارتياد دور المسرح التقليدية، والثانى التكلفة الباهظة لتغطية احتياجات العرض التقليدى من فنيات واعلان وتذاكر وخلافه ومن ثم لجأ الى الكارو كمكان متحرك يتيح له التنقل الى حيث وجود الجمهور الذى يستهدفه، بأقل تكلفة بما فى ذلك تكلفة الوقت،يضاف لهذا ما اختزنه كما ذكر ومنذ طفولته الباكرة عن الكارو كوسيلة للرزق الحلال، كثير العنت والمشقة فقد كان كثيرا ما يصاحب خاله “احمد صالح نصر” وهو ينقل حاجيات الناس من بضائع واثاثات وغيره من مكان لاخر…هذين السببين، سؤال الجمهور وسؤال المكان المسرحى هما ما سيرشحان عروض مسرح الكارو لتصنف ضمن عروض المسرح التفاعلى ولعل ما سيدعم هذا الترشيح هو موضوعات العروض والاماكن التى قدمت فيها والجمهور الذى استهدفته.اشير هنا الى عرض ” الارضة اكلت المستندات والذى قدم فى العام 1984 فى الشارع الذى يوجد فيه”مطعم كشك” وهو شارع يضج بالمارة وكان بمثابة التدشين لمسرح الكارو وهو عرض فى محتواه العام حاول ان يسلط الضوء على الفساد الادراى وغياب الضمير من خلال احداثه التى تدور فى “شركة الوهم”،ثم تلته عروض كثيرة ناقشت موضوعات تحمل فى مجملها رسائل تعليمية وتوعوية وتنويرية ذات صلة بسؤال التغيير واسئلة التنمية بمفهومها الاشمل،كالتوعية بمخاطر المخدرات وضرورة الحفاظ على البيئة والحماية من “الكورونا” وخطورة الفساد الادارى والمحسوبية ونشر “ثقافة السلامة المرورية”،والعنف ضد المرأة من خلال التعرض للمشاكل الاسرية كموضوعات الطلاق والزواج ومكافحة الايدز وكذلك محاربة العنصرية والقبلية وغير ذلك من الموضوعات والقضايا، اما الاماكن التى قدمت فيها هذه العروض فقد كانت الشوارع والساحات المفتوحة كميدان المولد او فضاءات المؤسسات كالسجون والمدراس ودور العبادة، اما الجمهور الذى استهدفته هذه التجربة فاضافة (للجمهور العام) نجد انها استهدفت فئات بعينها كنزلاء السجون وتلاميذ المدراس ونزلاء المصحات النفسية والعقلية ومنسوبى جهاز الشرطة.

فى تقنية العرض وعلاقتها بالمسرح التفاعلى:

كنت قد طرحت فى ثنايا هذه الورقة افتراضا ودعمته ببعض الحجج، مفاده ان عروض “تجربة مسرح الكارو” تقع ضمن “المسرح التفاعلى”،الا انه وللدقة يجب الاشارة الى ان تقنية العرض فى هذه التجربة لا تنهض على كل صيغ المسرح التفاعلى،فعروض مسرح الكارو مثلا لا تستخدم تقنية “مسرح المنتدى” كما فى منهج مسرح المقهورين،كتقنية تتيح للجمهور المشاركة المباشرة فى العرض وذلك باستلام احدهم/ احداهن لشخصية المقهور/المقهورة وتمثيلها ومع ذلك تقع ضمن هذا النوع من المسرح ليس بما قامت به من اشتغال فى خلخلة موقع الجمهور او المكان المسرحى فقط وانما كذلك لنهلها من خبرة المسرح الملحمى وخبرة مسرح الشارع ولطرحها لموضوعات شعبية ذات صبغة سياسية وقبل كل شئ لارتكازها على نص يقوم على ما يعرف ب( الاسكتش )،يرفد نفسه بالارتجال الفورى مما يعنى امكانية الحذف فيه والاضافة الامر الذى يعنى هنا نفى سلطة النص وكما هو معلوم فأن كل هذه السمات تعد من سمات المسرح التفاعلى..يحمد لهذه التجربة انها جسدت نموذجا ساطعا لما يمكن وصفه بالمسرح الشعبى وبالمسرح التحفيزى وبما انها كما ارى مثلت السهل الممتنع فى المسرح كانت قادرة على اثارت التساؤل، تلو التساؤل،وهذا عين ما يستهدفه المسرح التفاعلى.

بقى ان اذكر اسماء الممثلين الذين شاركوا كوجاك مسيرته المسرحية وجعلوا كل ما قدم ممكنا، وهم محمد عبدالجليل والطاهر عبد الباقى وحاتم نصر الدين ومحمد عباس وفوزية احمد ونجلاء عبدالمنعم والنور عبدالله وهناء احمد واميمة عبدالرحمن وفاطمة ادم.

(×) اشارات:

1.المقصود برنامج “من مسافة اقرب” والحلقة بثت فى يناير 2022 وهى موجودة الان فى صفحة القناة على الانترنت.

2.الاضاءة المختصرة حول سيرته مأخوذة من حوارات شفهية ومكاتبات تمت بيننا.

 

(*) ناقد وكاتب سوداني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى