تأويل خشبة العالم هو الكتاب الاول للناقد الشاب راشد مصطفى بخيت..صدر الكتاب عن مدارك للطباعة والنشر والخدمات فى العام 2015 ويقع فى عدد 88 صفحة من القطع المتوسط بما فى ذلك المقدمة وملحق الصور..يقوم الكتاب بالاساس على سبع مقالات نشرت من قبل قاربت سبعة عروضا مسرحية مختلفة قدمت فى الفترة من العام 2004 الى العام 2014 هى بالترتيب “صور للتعايش والسلام-عرض داو عبر اداء صامت, و ” مسرحية كايلك بين القول الفكرى والقول المسرحى” و ” سنار وعيذاب بين ورطة التكوين وتطورات التكون” و ” اهل الكهف- جانب من سيرة القهر التاريخى فى دارفور” و “الانسان ذو البعد المافى – شعب انتباه وجمالية الرؤى” و “مسرحية حيطة قصيرة وغضب خشبة المسرح” و ” مسرحية اسمع يا عبد السميع وذوات فى خط الصيرورة”.. اشير بداية الى ان هذه العروض بأستثناء عرض شعب انتباه جميعها قدمت فى مهرجان ايام البقعة المسرحية فى الدورات الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والثانية عشرة ونشير كذلك الى ان مؤلفى ومخرجى هذه العروض جميعهم مما يمكن وصفهم بالاجيال الجديدة وانهم لحد ما يعبرون عن حساسية واحدة تلتقى هنا وتفترق هناك, تجاه رؤيتهم للعملية المسرحية وتجاه رؤيتهم لوظيفة فن المسرح وهى الحساسية التى لايبعد عنها كثيرا مؤلف الكتاب بحسبانه ينتمى لنفس هذا الجيل.
تتدثر مقدمة الكتاب والتى كتبها المؤلف نفسه بتحريض خفى للقارئ على ضرورة ان ينجز قراءة مغايرة وخلاقة لذلك احتشدت المقدمة بمقاربات متنوعة حول ماهية الكتابة وماهية القراءة وعن موقع القارئ ولعل هذا ما يجعل من وجهة نظرى هذه المقدمة جزءا من الكتاب وفاتحة له الامر الذى يبرر ان يكون كاتبها هو نفسه مؤلف الكتاب على غير العرف السائد خاصة فى الكتاب الاول عند غالبية المؤلفين كما جرت العادة…الميزة الاساس لهذا الكتاب تتبدى فى انه يتجاوز فكرة انه ( كتاب ) جمع بين ضفتيه مقالات نقدية قاربت عروضا مسرحية وتم نشرها على صفحات صحف مختلفة,الى كتاب قائم بذاته وان كان مستندا بشكل اساس على ما تقوله المقالات النقدية مجتمعة ودليلنا هنا وعلى سبيل المثال لا الحصر هو تدخل الكتاب الذى بين ايدينا فى متن بعض المقالات بالاضافة اليها كما فى مقالة صور للتعايش والسلام فقد اضيفت للمقالة الاصل عبارة “قالت مسرحية صور للتعايش والسلام قولها ومضت منذ العام 2004,فدارت دورة السنوات واصبح قولها واقعا سياسيا فجا فى العام 2011 مع كثافة الاحداث والمصائر الجارية بين الزمنين طيلة سنوات سبع…”او عن طريق الربط عبر ايجاد صلة ما بين مقالة واخرى كما فى مقالتى عرض “بين عيذاب وسنار” و عرض “اسمع يا عبد السميع فعلى الرغم من ان فارق الزمن بين كتابة المقالتنين ستة سنوات وهو ما يعنى ان عرض اسمع يا عبد السميع لم يكن موجودا اصلا الا ان الكتاب اشار الى الصلة التى بين العرضين متجاوزا لكل هذه السنوات وهو عين ما فعله وهو يربط بين مقالتى عرضى “مسرحية كايلك 2005 ومسرحية اهل الكهف 2007…هذا التجاوز الذى تم عبر التدخل فى المقالات الاصلية المنجزة بالفعل كما اشرنا هو ما منحنا الكتاب الذى بين ايدينا…الكتاب الذى “قامر” من “مقامرة” –بالقاف- بالمنجز النقدى السابق له ” ان لم يكن كله فبعضه” ولكن بذكاء منح هذه المقامرة الكثير من الجمالية والوجاهة وذلك اولا عندما حول هذه المنجز النقدى الى “متن” يتكئ عليه وثانيا عندما صنع تلك الدرجة من الاستقلال النسبى عن المقالات الاصلية وفى نفس الوقت الاستناد عليها مع الابقاء على روح النقد المسرحى وربما وبسبب هذه العلاقة الشائكة جاء عنوان الكتاب ( تأويل خشبة العالم) وليس تأويل خشبة المسرح,اذ عند هذه اللحظة يخلق الكتاب الذى بين ايدينا “سياقا” بين ما دار فى خشبة المسرح وبين ما يدور فى الواقع المعيش المتحول فى السودان وفى اللحظة الكونية المعاصرة,مرتكزه الاساس,اى هذا السياق المقولة المركزية التى تسم الكتاب والتى نضحت بها فى الاصل العروض المسرحية واستجلتها المقالات التى قام عليها كتابنا هذا,وهى مقولة (تشيؤ الانسان واستلابه ووقوعه اسيرا فى دوائر القهر بكافة تجلياته وذلك عبر الكشف عن ثيمات الطبقة والعرق والنوع والثقافة وعلاقة كل منها بالاخرى وسيرورة كل منها على حدة وحيث هنا لم يكن اعتباطا ان يحوى الكتاب حاشية او هامشا او مدخلا يأتى فى شكل مقولة تأتى بمثابة عتبة تمهد للدخول لنص المقالة المعينة مع ملاحظة ان هذا العتبات لا تبتعد كثيرا عن المقولة المركزية للكتاب والتى اشرنا لها انفا ومما تجدر الاشارة اليه هنا ايضا هو احتشاد الكتاب بالكثير من التعريفات لبعض المصطلحات والمدارس والتيارات المسرحية والفلسفية وكذلك بعض الاستدراكات هنا وهناك وكيف لا والكتاب ينهل من العديد من المصادر فى مختلف فروع المعرفة خاصة تلك التى تشكل احتياجا ملحا لبناء الكتاب.
بقى ان اشير الى ان الكتاب يعد اضافة للمكتبة المسرحية السودانية ليس فقط فى ارثها فى النقد التطبيقى وانما بالاساس فى الاستناد على فن المسرح لمقاربة قضايا ذات طابع فلسفى وسياسى وثقافى.
(*) كاتب وناقد