Uncategorized

في الجزيرة… حكاياتُ حربٍ، خوفُ وجوع

حملة ساندوا السودان: اعداد وتحرير: شبكة اعلاميات سودانيات: تقرير - صفية الصديق

مدني: 18 ابريل 2024 – عندما هربت من ويلات الحربِ في الخرطوم في نهاية أبريل العام الماضي، تملكني خوفٌ شديد من أن تفقد أسرتي الإمداد الغذائي خصوصاً وأننا نعيش في قرية تعتمد بشكل كلي في تموينها على المدينة خاصة وأننا أسرة ذات دخل محدود.

بيتنا عامر بالناس ونخاف أن يقلّ زادنا؛ هذا الوضع جعلني مهووسة بشراء المواد الغذائية فكلما مررت بدكان أحمل معي من الأرز والعدس ما يمكن لقوايَ أن تحمله، كلما اقتربت من (دكاكين الجُملة) آخذ معي جوال (مكرونة ودقيق وشاي) ولأنني مدمنة قهوة وأخي الأصغر الذي يخاف مجاعة أهلي وضيوفهم أكثر مني كنت أحرص الناس على شراء أكثر من 2 كيلو من البُن كلما مررت بمحاله. 

 

هم احق بالشبع

هل نجوت وأخي الأصغر من هذا الهم؟ بالتأكيد لا… عندما اشتعلت الحرب في مدني عاصمة ولاية الجزيرة كنت أراها يوميا فقلبي عاش الحرب ورأي ملامحها، أصبحت اشتري مواد تموينية لأن أعداء الإنسان أصبحوا يصادرونها مني وآخرين، لأنهم يرون أنهم الأحق بـ (الشبع).

كنت أبكي كثيرا خوفا من ساعة الصفر التي داهمتنا ونحن لا نملك سوى مخزون هوسي اللطيف (الأرز، العدس، المكرونة والبن)، فقد ظللنا نأكل من سنامنا منذ منتصف ديسمبر 2023 بداية الحرب في مدني وحتى السادس من فبراير 2024 المشؤوم. نأكل الأرز بالعدس والعدس بالمعكرونة ونشرب القهوة مُرة لانقطاع السكر عن القرية بأكملها منذ الأسبوع الأول. 

 

اعتمدنا في توفير بعض الإمدادات البسيطة مثل الدقيق والزيت على بائعات متجولات يعرضن أنفسهن لخطر الانتهاكات حتى يوفرن قوتنا وقوت بيوتهن، نشتري بأسعار مضاعفة خصوصا وإن كنت تعتمد في التسديد على الدفع عبر البنك. قلصنا الوجبات لوجبة وقهوة أو قُل عدسُ وقهوة لتأتي مقولة إبن أخي الصغير (يارب تحِلّنا من العدس والحدث). 

حتى العدس هذا أصبح الحصول عليه حلما بعيد المنال، فانقطاع الاتصالات والانترنت كان مجاعة أخرى، فمعظم الناس يعتمدون على إما تحاويل المغتربين أو مخزونهم المالي في البنك. حلت الكارثة، توقفت حتى (الدلّليات) عن القرية، انقطعت الكهرباء فلا ماء ولا قوت، قريتنا يحدها النهر شرقاً لكن لا يمكننا الورود إليه لأنه محروسٌ بجنودٍ غايتهم ان (يعطّشونا)، غربها آبار المشاريع الزراعية وهي أصبحت بالتأكيد في سيطرتهم فمن أين لنا أن نشرب؛ ألا رحم الله شيخ عبد الرحمن فتح لنا أبناءه البئر (ننتشل الماء بالدلو) فقط للشراب والطبخ؛ أما الوقود فهو حكاية فقد انقطع الغاز والكهرباء والفحم؛ ألم أقل لكم أننا قرية تعتمد على المدينة في كل شيء؟!

 

 الضفة الأخرى

في كل (عصرية) نحمل حبالنا وجوالاتنا متسللين من القرية لجلب الحطب ونعود سريعا ليس خوفاً من الظلام فقريتنا هي الأمان والحياة، نخاف من عدوٍ لا نتوقع انتقامه. 

احتدم شبح المجاعة وصار أقرب، لا انترنت ولا كهربا، لا ماء ولا أكل، أصبح الجميع محاصرون لا يمكننا الذهاب للمدينة فجلادينا ينهبون حتى أكياس الملح، يضربون الرجال وينتهكون النساء، فقط هناك طريقُ وحيد. لأنهم أصبحوا يركزون على إهانة الرجال أكثر فلم يكن هنالك مفرٍ إلا أن نهرب أنا وصديقاتي (مجازفين) لنعبر النهر شرقاً بقارب متهالك، إلا أنه صار وسيلة المواصلات الوحيدة في القرية، هربنا نغطي وجوهنا بالنقاب خوفاً من العدو والتقاليد! عبرنا إلى الضفة الأخرى وتجاوزنا ثلاثة قرى (أكثر من 10 كيلو) سيراً على الأقدام والرابعة قطعناها على ظهر (كارو حُمار) واهن يجرنا نحن وجوالين ذرة، كل هذا حتى نصل لمكان نشتري منه (الكاش)! نعم نشتري الكاش أولا لنشتري به الخبز (نبيع 100 ألف جنيه سوداني في حساب بنكك ب 80 ألف نقدا) – اشترينا الكاش وكان الحصول على المواد التموينية حكاية، فكأنما أتينا نطلب مخدرات، الجميع خائف لا يريدون أن يفرطوا في مخزونهم على قلته، لا يمكن أن يبعوكَ ما تريده كاملاً، يقسّمون المواد بين الناس فإن تكرموا وتحججت لهم بأنك أسرة كبيرة يعطونك فقط (5 كيلو سكر، 20 كيلو دقيق، 3 لترات زيت، 10 كيلو معكرونة) بالنسبةِ لي هذه لا تكفي لأسبوع لكن حسناَ لا بد أن نأكل وجبة واحدة- حملناها ورحلة العودة كانت أكثر مشقة.

 

لم نفرح بحصولنا على المواد الشحيحة يوم عيد الفطر المبارك وبعده ونحن أسر ممتدة، والحال أننا الأحسن حالاً من كثيرين؛ يا إلهي شهدت جوع وبكاء صغار وأسر كثيرة كانت تعيش (مستورة)- كنت أقف مكتوفة الأيدي تجاه شكواهم، قطعت سُنة أبي في دعم القرية فحيلي وميزانيتي لا تكفيني حتى أن أجامل إبن أخي بقطعة حلوى ولا أن أغطي لعمي محمد ما ينقصه. فقط أقف متفرجة في وجه أهلي وقريتي يجوعون بصمت وكرامة، محبوسين في بيوتهم يموتون جوعاً وذلة وبالرصاص.. 

لذلك أوقفوا الحرب- ساندوا السودان.. 

 

(#) إنتاج هذا المحتوى ضمن حملة #ساندوا_السودان التي أطلقها (منتدى الإعلام السوداني) والتي تهدف إلى لفت الانتباه إلى الكارثة الإنسانية وتدارك المجاعة ووقف الانتهاكات في السودان، وتنشر بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في الحملة.

 

#ساندوا_السودان

#Standwithsudan

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى