رواية حارس البستان المقدس،الرواية الثالثة للكاتب عثمان شنقر والتى صدرت فى فى يناير 2024،اى قبل اسابيع،تحفزك بعد القراءة الاولى لها الى القول: انها رواية تتحرك وتنهل مما يمكن تسميته بسحر “اليومى والعادى”..تتحرك وتنهل مما هو “اسطورى” فى تلبسه بما نعتقد انه “واقعى”..بكلمة واحدة،تتحرك وتنهل مما اسميه اذا جاز لى ( جماليات الواقع ) وبما ان الرواية فى جذرها البعيد “سيرة” او تكاد تجمع ما بين الشخصى والعام، هى سيرة “كودى” او مرسال المرضى” وبسبب هذا نجدها فى الكثير من المواضع تستقى من معلومات حقيقية ووقائع حدثت بالفعل واماكن موجودة بالفعل “كحركة الشباب الصومالى الاسلامية و نظام الانقاذ وبيوت الاشباح وكتاب الطبقات وكتاب كاتب الشونة وأسماء بعض العواصم “الخرطوم/نيروبى/مقديشو وغير ذلك، ولان هذه السيرة بالاساس كما تبدت فى الرواية هى “سيرة القمع” اتخذت الرواية تجربة (نظام الانقاذ) فضاء لها وعبر تقنيات متنوعة استخدمتها فى السرد كاللعب على الزمن والتعديل فى موقع الرواى والتلاعب بالضمائر وبناء الشخصيات خاصة شخصية كودى وتفجير اللغة واستنفار جمالياتها لاقصى حد،تبدت سيرة القمع او فلنقل للدقة (جماليات سيرة القمع ) فالرواية فى مستواها السطحى وهى تحكى سيرة الانقاذ لا تخلو من “مباشرة” على طريقة اياك اعنى واسمعى يا جارة ك “مماثلة” من _تماثل_ العراب او الذى وقع نيفاشا مع قرنق..اعنى هنا تلك الاشارات المباشرة الى اشخاص حقيقيين والى احداث وقعت بالفعل، الا ان الرواية وعبر حيلها التقنية التى اشرت لها انفا استطاعت ان تصعد من الاسطورى فحضور الجدة الماما/ مشاهد الاغتصاب/ القتل/طقس جنازة ابن كودى/عالم المخابرات/عالم العهر وسطوع وخفوت الجسد الانثوى والذكورى/التعذيب / ذكريات الاسترقاق/استدعاء كاتب الشونة ومؤلف الطبقات)
هذه العوالم وهى تحاول ان تحكى سيرة القمع حكت معه جماليات هذه السيرة فتبدى ما هو اسطورى فى كل شئ… فى الانقاذ والاسلام السياسي ..فى كودى..فى الحركة الاسلامية.. فى المخابرات السودانية..الخ الخ..
هذه الرواية وعبر الرهان على اللغة والاشتغال على تفجيرها، استطاعت ان تبنى متخيلا لعالم اسطوري على انقاض حقائق وووقائع واماكن حقيقية..عالم اسطورى ينهض على تصادم “سياسات الموت” مع “سياسات الحياة”.
انها رواية تمضى من كتابة سيرة القمع الى كتابة (جماليات سيرة القمع ).
(*) كاتب وناقد