قدمت قيادة تقدم في لندن رسالة ذكية للرآي العام مفادها أن (تقدم) قادرة على إصلاح نفسها والعودة في إتجاه آولويات الشعب مرة آخرى، بعدما سيطرت كارتيلات الدعم السريع على مفاصل هياكلها، وبطشت بهدف تأسيسها كبوتقة تنصهر بها معظم القوى الرافضة للحرب، بعدما فشلت مجموعات الهوس العرقى بداخلها في محاولتهم إيهام الرآى العام بأن الممانعين للعمل في تقدم هم أمراء الحرب بـ(الكتلة الديمقراطية)، وأنه لم يبقى من القوى المدنية خارجها سوى الإسلاميين الوسطيين أو اليسار الراديكالي، وونحجوا في خلق تجربة مريرة لحركة تحرير السودان (نور) والحركة الشعبية (الحلو) في محاولاتهم للتقارب والتأثير.
أظهرت ندوة (تقدم) الملتئمة في عاصمة الضباب توجهاً قاعدياً لمناصريها، جوهره وعد ديسمبر بإستعادة السلطة للشعب، وإرسال العسكر للثكنات وحل الجنجويد، حيث دولة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، لكن الضباب في موقف (مركز القيادة) كان حاضراً رغم اريحية الأجواء بالعاصمة، حيث يعلم الجميع بأن تقدم غير قادرة على الإنفكاك من وصاية وسيطرة الداعمين لإستمرار الحرب وإنتصار الدعم السريع وأن موقف (لا للحرب) مجرد بروبغندا للمحافظة على التماسك التنظيمي دون إحداث إختراق.
اخذ تقارب تقدم مع قوات الدعم السريع، لا سيما عبر المؤثرون بها، وقت وجهد الكثيرون، بما في ذلك الداعمين لإستمرار العمليات العسكرية للجيش وتقدمه السياسي والميداني، حيث تم إستلاف الدعاية القديمة لمواجهة الحملة المضادة بنبش الخط الإعلامى إبان الفترة 2021- 2023، وقت أن كان طرفى الحرب بحالة شراكة سلطوية قابضة، وإنقسام الشارع بين مؤيد لعودة تركيبة 2019-2021، وبين من يردون إنتصار الثورة بصورة كاملة، ويا للعجب قاعدة تقدم الأن في لندن تعتمد شعارات التيار الذى كانت تناوئه ابرز أعمدتها ايام الإطارئ (الحرية والتغيير- المجلس المركزى).
ما يلفت الإنتباه هو ما أثير من دعوات لبناء جبهة مدنية عريضة ويفتح تساول، من يريد حقاً بناء هذه الجبهة ومن الذى يمانع؟، وبتتبع الدعوات الشبيهة من القوى الوطنية نجد أن هناك أتفاق على التوصيف وإختلاف على المعايير، لا سيما حدود وموضوع الأجندة، والهياكل ومن صاحب الكلمة الفصل بها، ويقودنا هذا المسار من التحليل لمأزق وطنى حقيقى، تكون فيه حماية المدنيين مجرد فزاعة لتعظيم المكاسب السياسية.
هذه المسرحية السياسية قد لا يفهمها من تسقط القذائف الحارقة على اطفاله وينهش الجوع في أمعاء بناته، وتذهب الأمراض بكباره الى القبور في حسرة غاية بالذل ووجع مفزع، أو قد لا يكترث من الحيث المبدأ ناهيك عن محاولات التدقيق، لكن يبقى الخذلان والهوس بالإنتصارات التى لن يقطف ثمارها أحد من العامة سيدة الموقف، حيث سرديات الصوالونات تحمل بطياتها ارقام الموتى ومؤشرات الرفاه المزعوم معاً.
أن كانت تقدم وقيادتها تريد بناء جبهة مدنية عريضة، عليها خوض عملية جراحية لتنقية هياكلها من جماعات الهوس العرقى (مناصرو الدعم السريع) ومن ثم إجراء تغيير جوهرى بخطابها سمتة أجندة حقوق الإنسان، حيث حماية المدنيين أولوية.
ويبقى السوال: هل الظروف الموضوعية أكتملت لإصلاح تقدم ؟ أم هى مجرد مناورات محدودة؟.
(*) باحث بمعهد السياسات العامة