(١)
في تطور يراه البعض مفاجئاً ونراه طبيعيا، بدأت سلطة الواقع تصعيدا كبيرا في خطابها السياسي والإعلامي، ورفعت السقوف في تشدد كبير يؤكد استمرار الحرب، وأنها الحل الوحيد الذي يكرس انتصاراً حاسما على مليشيا الجنجويد الارهابية، ويقود إلى استسلامها تماماً. شهدنا في هذا السياق تصريحات نائب قائد الجيش غير الشرعي في شرق سنار، الذي أكد ألا تفاوض او هدن، وذلك بعد استلام منطقة شرق سنار بعد دخول سنجة، وكلا المنطقتين انسحبت منهما المليشيا الارهابية دون قتال. تزامن ذلك مع المؤتمر الصحفي لوزير إعلام سلطة الأمر الواقع غير الشرعية، الذي شن هجوما عنيفا على دولتي تشاد والإمارات ، مصنفا الاولى كمصدر انطلاق المسيرات الإنتحارية التي تضرب مناطق سيطرة السلطة غير الشرعية، والثانية كممول وداعم ومزود بتلك المسيرات، في سابقة هي الاولى من نوعها لناطق بإسم سلطة نشاطها المصرفي جميعه يتم عبر دولة الإمارات نفسها، وذهبها يباع في تلك الدولة العدو، التي تدعم مصر الداعمة للسلطة غير الشرعية. واذا قرأنا ذلك مع التصريحات غير المسبوقة للشيخ التكفيري – حسب خطاب الانقلابي المزمن قائد الجيش المختطف غير الشرعي- الذي وصف فيه الأخير بأوصاف غير لائقة، مع زيارة هذا الانقلابي لدولة الجزائر لتعزيز التسليح، يبدو ان استمرار الحرب أمراً حتمياً، ولكن هل ذلك صحيح؟
(٢)
خطاب الحرب التصعيدي اعلاه، لا بد أن يقرأ مع حقائق اخرى لا يمكن تجاهلها، منها ان انسحاب المليشيا الارهابية من بعض المناطق لا يعني هزيمتها او استسلامها. ففي مقابل ذلك الانسحاب من سنجة وشرق سنار، تقدمت في محور الفاو، ومقابل تراجعها في بعض مناطق سيطرتها، توسعت في ضرب مواقع سلطة الامر الواقع غير الشرعية بمستوى خطير يهدد قيادات هذه السلطة ويغير موازين الحرب وفقا لوزير الإعلام في مؤتمره الصحفي، فهي قامت بالهجوم على شندي وعطبرة ومروي، وهاجمت الأخيرة بتسعة عشر مسيرة انتحارية حسب بيان الجيش المختطف. وهذا التصعيد العسكري يتم لأول مرة، ويعكس تطورا لا تراجعا في قدرات المليشيا الارهابية. يتزامن ذلك مع انقسام واضح في معسكر سلطة الامر الواقع غير الشرعية، ملامحه تتضح في الصراع على قيادة الحركة الإسلامية المجرمة، وانعدام الثقة بين تلك الحركة وبين قائد الجيش غير الشرعي وفقا لتصريح الشيخ التكفيري كما اسماه الانقلابي المزمن، واتهام للانقلابي بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية على أمر ما ضد الحركة المجرمة ورغبتها في استمرار الحرب، والتحركات في اطار مجلس الامن والسلم الأفريقي الرامية لتدخل عسكري لحماية المدنيين في استكمال واضح للقرار المحبط بالفيتو الروسي. وجميع ما تقدم يثبت ألا حل عسكري حاسم للحرب ، وأن نهايتها ستكون عبر التفاوض كما صرح احد منظري المؤتمر الوطني المحلول!!
(٣)
بأخذ الأمرين في الاعتبار، والنظر إلى ما يتم في معسكر السلطة غير المشروعة الناتجة عن انقلاب فشل في تعويم نفسه، نجد ان التصعيد مجرد وسيلة لتحسين الموقف التفاوضي لقيادة الجيش المختطف، مهما قامت برفع السقوف لإرضاء قيادة الحركة الإسلامية المسيطرة على الجيش المختطف والراغبة في استمرار الحرب، حتى تتمكن عبر استمرارها من فرض نفسها على المعادلة السياسية واستعادة سلطتها وتمكينها كاملاً. ففي تسجيل مسرب للمخلوع البشير لوسائط التواصل الاجتماعي ، يزعم بأن الحرب قد انتهت تقريباً، ويطلب من قيادة الحركة الاسلامية المجرمة تنظيم نفسها حتى لا يفلت منها الرسن مجدداً وتفقد السلطة. وهو خطاب لا يمكن قراءته بتوهم ان المليشيا الأرهابية ستهزم هزيمة ماحقة، لأنه يصدر في ظل الحقائق المثبتة أعلاه التي تقول عكس ذلك، لكنه يقرأ في سياق تسوية قادمة قريبا بين الطرفين المتحاربين، يستعدان لها بالتصعيد والتصعيد المضاد، وبالترتيبات والاستعدادات غير المعلنة في الغرف المغلقة. وما تقدم يصح، إذا أخذنا في الاعتبار تصريح احد المقربين من المخابرات المصرية بأن المليشيا الارهابية يمولون بعض المستنفرين و المليشيات التي تقاتل مع الجيش المختطف لتقاتلها هي نفسها، في اطار المحافظة على توازن الضعف واستمرار الحرب، لأن ذلك يتم في اطار انضاج التسوية التي يعمل لها طرفي انقسام الانقلاب غير الشرعي للتخلص من حربهما الساخنة البادية للعيان.
(٤)
والخلاصة هي ان الأمر ليس هو كما يبدو عليه من اصرار كبير على استمرار الحرب وخطاب تصعيدي غير مسبوق يوهم بألا امكانية لايقافها. فحتى قيادة الحركة الاسلامية المختطفة للجيش، تعلم بأنها عاجزة عن حسم الحرب عسكريا وتدمير المليشيا الأرهابية. وسقف آمالها هو اعادة تلك المليشيا الارهابية لبيت الطاعة وامتلاكها مجدداً. فهي ترى ان الحرب قد حققت اهدافها وقامت بتجريف الساحة السياسية المدنية وفرضتها بقوة السلاح كسلطة امر واقع، وهذا هو جوهر تصريحات المخلوع المسربة وتصريحات الشيخ التكفيري كما وصفه الانقلابي المزمن. وبالتالي لا حاجة لاستمرار الحرب في حال كان بالإمكان التوصل إلى تسوية مع قيادة المليشيا الارهابية لاقتسام السلطة. لذلك تصعد وتحشد وتتسلح وتهاجم ، حتى تحافظ على قدرتها التفاوضية وتقوم بترفعيها لتكسبها مركزا افضل ، يحقق لها تسوية تسمح لها برسملة نتائج الحرب واستعادة سلطتها وتمكينها، حتى وان اضطرت لتقاسمه جزئيا مع المليشيا الارهابية، التي تسيطر على جميع سلطاتها (المدنية) التي شكلتها في مناطق سيطرتها بحسب تصريح مستشار زعيم الجنجويد السابق، الذي انتبه فجأة إلى ان الحرب الحالية ناتجة عن انقسام الحركة الاسلامية او إن شئنا الدقة اللجنة الامنية للانقاذ!! والواضح من كل ما تقدم ، هو ان كل هذا المخطط يتم بالضد لمصالح الشعب السوداني ، وبإهمال تام لقواه المدنية الفاعلة وسلبها حقها في تكوين سلطتها وتحقيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وهو أمر لن يحقق أوهام من اشعلوا الحرب، لأن شعبنا قادر على تغيير المعادلات وقلبها وصنع المستحيل.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.
(*) كاتب وباحث وقانوني