حين ضاقت الخرطوم ولم يعد شارع القصر “سالكا” حمل القوم احلامهم نحو القاهرة حينها لم يضطر الجالسون تحيط بهم الرفاهية للاجتماعات في فندق كمبنكسي بالتجمع الخامس للصعود على ظهر “البكاسي” من أجل الوصول إلى هناك أسوة بسودانيين دفعت بهم نحو القاهرة الحرب المشتعلة في بلادهم؛ الحرب التي يعرفها البعض بأنها ابنة الانقلاب؛ الانقلاب الذي تم التمهيد له باعتصام القصر من نفس الناس.
في حضور كبير تم تدشين قوى ميثاق السودان في الصف الأول جلس رئيس حركة تحرير السودان حاكم اقليم دارفور على الورق مني اركو مناوي، بالقرب منه جلس رئيس حركة العدل والمساواة وزير المالية في سودان الانهيار الاقتصادي وانهيار العملة جبريل إبراهيم . وغير بعيد عنهما جلس المدير العام السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك اردول وبالطبع رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام التي لم تعلن نتائجها نبيل أديب.. والرجل الذي سبق ان دشن مقاومة الحكومة المدنية باغلاق الميناء الناظر ترك ومبارك الفاضل والقيادي السابق في حزب المؤتمر الوطني غازي العتباني وتجاني السيسي رئيس السلطة الانتقالية في دارفور في وقت سابق.
انتهى اجتماع القاهرة بالتوازي مع الحديث عن التوافق على رؤية تأسيسية لإدارة الفترة الانتقالية في البلاد قدمتها قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية . وبالطبع تبع ذلك صورة جماعية في المنصة تخبرك عمن يريد اعادة عقارب ساعة السودان والانتقال للدوران في الاتجاه الصحيح .
حسناً في اكتوبر من العام 2021 اجتمع ذات الشخوص في قاعة الصداقة وقبل خراب الخرطوم من أجل توقيع ميثاق اطلقوا عليه ساعتها ميثاق العودة لمنصة التأسيس يقصدون يومها منصة التأسيس الثوري لديسمبر التي جعلت من وجودهم في الخرطوم ممكناً ومتاحاً انتهت منصة التأسيس التي كان يحرسها بجنده وماله قائد قوات الدعم السريع إلى انقلاب 25 اكتوبر ولنحو أكثر من 150 شهيداً من شباب الثورة قبل ان ينتهي مآل الانقلاب لحرب الخامس عشر من أبريل التي يبحث المجتمعون الآن آليات ايقافها واستعادة الحياة في السودان .
يصف القيادي بالمجلس الأعلى لنظارات البجا سيد علي أبو آمنة ميثاق القاهرة بأنه ميثاق كيزان هدفه الرئيسي اعادتهم ونظامهم السابق للتحكم في مصير السودانيين وهي ذات الرؤية التي يستند فيها البعض عند توضيحهم سبب اشتعال الحرب .
المفارقة ان القاهرة التي تستضيف اجتماعات القوى السياسية السودانية تستضيف في المقابل اكثر من 9 ملايين لاجئ سوداني بفعل الحرب وتداعياتها في وقت يتمدد فيه السؤال حول مدى قدرة هذه القوة في صناعة اختراق في المشهد السوداني ؟
ينشط كل من مني اركو مناوي وجبريل ابراهيم عبر قواتهما في المعركة الدائرة الآن وذلك في اعقاب مواقفهما المعلنة بالانتقال من منصة الحياد في المعركة للمشاركة في القتال ضمن صفوف القوات المسلحة لإنهاء تمرد الدعم السريع، وسبق أن أعلن مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق ياسر العطا عن ترتيباتهم كجيش لإعلان مرحلة تأسيسية يكونوا هم فيها الحكام مما يعزز الفرضية أن الميثاق الجديد لا يمكن النظر إليه بعيداً عن كونه ميثاقاً في خدمة الجيش وداعماً لعسكرة الحياة المدنية .
بالنسبة لطيف واسع من السودانيين الذين يدفعون فاتورة الحرب الآن فإن اجتماع القوى السياسية في القاهرة لن يقدم شيئاً فهو أشبه ما يكون باجتماعات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان ولا يختلف كثيراً عن تحركات الدعم السريع الذي قتل الحياة في الجزيرة وشكل إدارة مدنية هناك.. الأمر لا يعدو سوى كونه صورة في اطار السعي لكسب مقعد في السلطة في بلاد مدمرة حرفياً . فيما يبدو موقف “الديسمبريين” الغائب الحاضر في المشهد هو ذات موقفهم المعلن من ديسمبر 2018 “تسقط بس” حتى وإن أتت الصورة الجديدة في اطار قديم عنوانه (النخبة السياسية السودانية نفس الملامح وذات الشبح) .