Uncategorized

“ودالنورة”..الحساب ولد وبنت 

منذر مصطفى (*)  

دخلت حرب قرصنة السلطة بالسودان مرحلة جديدة بغاية الخطورة، بعد استباحة قوات الدعم السريع لمنطقة ود النورة غرب ولاية الجزيرة التي خلفت مئات القتلى والجرحى، تحت مبررات حسم مواطنين مسلحين يعترضون طريق تحركها لمنطقة المناقل غرب الجزيرة، التي هرب اليها حاكم الولاية بعد أحداث ديسمبر 2023، في ود مدني، ولمن يعرف تضاريس المنطقة جيداً يعلم بأن القوات لم يكن هدفها ما قالت، بل غاية أخرى وهي التعامل مع حالة فقدانها التحكم والسيطرة على قادتها الميدانيين وطالما ارادت إعادة (كيكل) لبيت طاعتها لكن دون جدوى، لا سيما بعد رفضه التوغل غرباً لتسهيل مسحه من الخارطة بيسر، وتفضيله التوجه للاقليم الشرقي لزيادة حجم قواته من قبائل البجا، التي تحضر نفسها للتحالف معه بمباركة (البرهان).

يعد (كيكل) منافساً شرساً لـ(حميدتي )، حسب تقديرات أجهزة المخابرات التي دعمته وكون قواته تحت رعايتها، كما فعلت من قبل مع قائد الجنجويد (موسى هلال) وخليفته من بعد ذلك؛ وأطلقت وسم (قدس)، في إشارة للطابع الأيديولوجي للقوات، وفتحت لها مسارات آمنة للنمو والتوسع، التي سوف نكتشف بأنها كانت باهظة وفظيعة وجريمة ممتدة في حق السودان وأهله ، لكن حسابات عسكر السودان لها معايير أخرى، ليست مبادئ وحقوق الإنسان من ضمنها بأي حال من الأحوال .

مجزرة (ودالنورة) البشعة أوضحت بأن قوات (حسبو) لا تتورع عن ارتكاب الفظائع لا سيما بعد التطمينات التي جاءت من قادة نظام الـ30 من يونيو 1989 بإعادة إمتيازاته كاملة في إتفاق وشيك لتقاسم السلطة يحتاج منه لإبراز قدرته في التحكم والسيطرة على القوات، يبدو انه يواجه صعوبة في فعل ذلك وأراد ان يجعل من ولاية الجزيرة ساحة لاختبار قدراته، وأسمعي يا جارة، ولمن لا يعرف حسبو ورهطه عليه مراجعة ما رشح عن احداث 1999، ما يسمى شعبياً بـ( المفاصلة) وهو انقسام على أساس عرقي بتنظيم الاخوان، كان يتوقع أن يؤدي لصراع مسلح بالخرطوم لكنهم فضلوا العمل العسكري على إرث (بولاد)، لكي لا يخطف (قرنق) السلطة منهم، وتوسعت العمليات العسكرية وولدت حركة (خليل)، على أن تستمر العناصر المدنية في انتظار الوقت المناسب لتصفية الحسابات.

لقد فاجأت ثورة ديسمبر 2018 الجميع وأوجدت مشروعاً وطنياً سمته الحرية، والسلام والعدالة، مما اعتبرته المجموعات المستضعفة بالنظام البائد تعالياً اخلاقياً على استحقاقها بالانتقام، وفسرته المجموعات الباغية بأنه خيانة توجب معاقبة الشعب والغرماء، وسرعان ما تحرك أركان النظام المخلوع للالتفاف على تطلعات الشعب بموجة يأملون ان تنسي الملايين أحلامهم وحقوقهم المشروعة والعودة لبيت الطاعة والخنوع مرة اخرى، ولم تكن عملية تسليم السلطة لأحزاب التوالي سوى بداية نموذجية للتحضير لإنقلاب آخر ، لكن حجم المرارات جعل ليس من السهل تخطيها، لقد شكل تاريخ من عدم الثقة بين مراكز القوة في العصابات التي حكمت أكثر من 30 عاما الماضية منفردة، تصدعاً عميقاً في تماسكها الأيديولوجي وحتى قدرتها على التسويات البراغماتية، وشكل الصراع العنيف حجر عثرة أمام أي فرصة للإلتقاء الحميمي، وتعاظم هذا الخطر بعد عودة طلائع (نميري) كلاعب سياسي وعسكري لا يستهان به بعد ان نسى وتناسى الناس فترة حكمهم.

لن تكون مجزرة (ودالنورة) آخرها ، لكن من المتوقع أن يلجأ كل طرف لإثبات مدى قسوته في ارتكاب الفضائع، ليؤكد لعديمي الاخلاق ومنزوعي الضمير الذين يشكلون السواد الأعظم من (البلابسة)، بأنه القادر على قيادتهم في المرحلة القادمة لمواجهة أي تهديد محتمل قد يجعل السودان يخطو اي خطوة للأمام ، نعم لا يريدون اي مظهر من مظاهر الدولة التي تحترم الانسان فالجميع عبيد لهم ويجب أن يكونوا كذلك، وسوف يرفعون الكلفة الإنسانية لاقصى مدى من أجل استعادة الرأي العام كما زين لهم سيئ الذكر: أمين حسن عمر.

وسط كل ذلك تشكل وعي جمعي جديد للمجتمع، قد لا يلحظه المتخم باليأس من مستقبل السودان المشرق، ويواجه معظم الحادبين صعوبة في فهم مآلاته، لكن الحال وما به يحمل بشريات بأننا وعينا الدرس كشعب ولدينا رغبة وعزم على قبر شبكات الفساد وواجهاتها مرة واحدة وللابد، والحساب ولد وبت.. وقرب شديد.

 

هل أتاك حديث الشعب للبرهان في المناقل؟

 

 (*) باحث بمركز السياسات العامة- السودان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى