عقب زيارة المبعوث الروسي للسودان وتوقيعه لعدد من الاتفاقيات، كشفت مصادر إعلامية عربية عن وصول وفد أمريكي أمني إلى بورتسودان لدراسة استئناف عمل السفارة الأمريكية ببورتسودان.
وكان مسؤولاً رفيعا في الخارجية الروسية ؛ قد حط الرحال في العاصمة الجديدة للحكومة السودانية بورتسودان الثلاثاء الماضي .
وكشفت مصادر صحفية سودانية، أن المباحثات السودانية_الروسية ، والتي جرت الاسبوع الماضي ، تناولت تبادل الدعم السياسي والتعاون الاقتصادي والعسكري ، بما ذلك عرض روسيا تقديم مساعدات عسكرية نوعية للجيش السوداني. ونقلت المصادر الصحفية عن مصدر عسكري سوداني قوله : إن الوفد الروسي عرض على الجيش السوداني تقديم مساعدات عسكرية نوعية بلا سقف.
وليست هذه المرة الأولى التي يبدأ فيها تنافس محموم ، أمريكي_ روسي في السودان ، فقد شهدت آخر أيام الرئيس السابق عمر البشير ذات التنافس عندما أدار البشير ظهره للغرب ، وعقد صفقة القاعدة العسكرية الروسية في البحر الأحمر (فلامنغو).
بيد أن خطورة التنافس تأتي هذه المرة في سياق اندلاع حرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع القريبة أيضا من النظام الروسي في أبريل من العام الماضي، راح ضحيتها ما يقارب العشرين الفا من المدنيين، وشردت أكثر من عشرة ملايين . لكن يبقى السؤال على وقع هذا التنافس وفي ظل اشتعال حرب السودان ، فهل ستشهد سيناريو التنافس بمثل ما حدث في سوريا ، وهل يدعم الغرب قوات الدعم السريع؟
من جهته استبعد الكاتب والمحلل السياسي محمد الأسباط دعم الغرب لقوات الدعم السريع ، مبيناً أنه ووفقاً لمعطيات التعامل مع الجانب الروسي ، فإن روسيا ما لم تحقق مكاسب استراتيجية فانها لن تقدم غير دعم محدود يشمل الاستشارات الفنية والعسكرية مع دعم محدود في جانب بيع الأسلحة. مضيفا بأن مصالح روسيا في البحر الأحمر تقتضي التقارب مع النظام السوداني من أجل الذهب لدعم حربها بعد الخسارة التي منى بها اقتصادها، فروسيا تعاني في جبهة حربها في اوكرانيا وليس من الكياسة فتح أخرى في أفريقيا. بحسب حديثه.
وفي السياق اتفق الباحث السياسي عبد الله ديدان ، مع ما اورده الاسباط، مشيرا إلى أن روسيا تريد إيجاد موطيء قدم لها على ساحل البحر الأحمر ؛ لتكمل سيطرتها على الشريط الرابط بين ساحل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط بغرض محاصرة اوروبا من ناحية ، ومن ناحية أخرى تأكيد وجودها فى البحر الأحمر ، والذي يسمح لها ببسط نفوذها العسكري فى هذه المنطقة عن طريق اقامة قاعدة عسكرية على الساحل السوداني للبحر الأحمر ، كمان أن روسيا تريد ايضا اطباق قبضتها على ذهب السودان خصوصاً وان حربها فى اوكرانيا تشكل عبئاً مالياً ضخماً بالنسبة للاقتصاد الروسي مهما كان قوياً .
وبالمقابل يقول ديدان إن قادة الجيش السوداني يحتاجون إلى السلاح الروسي بشدة في حربهم مع الدعم السريع، مما يجعلهم أكثر استجابة لروسيا فى اطماعها مقابل السلاح في الوقت الراهن، وايجاد حليف لهم بعد عزلتهم الخارجية الحالية.
غير أن ديدان عاد واضاف بأن الأمر برمته ينطوي على مخاطر كبيرة أولها تحويل السودان الى ساحة حرب بين روسيا والغرب وبعض دول الخليج، ثم إن حصول الجيش على امداد عسكري من روسيا سيجعل قادته يتمنعون فى الوصول الى اتفاق سلام يوقف الحرب وهذا سينقل الحرب الى حرب أهلية حسب سلوك طرفيها الذي بات يمضي فى هذا الاتجاه من كليهما ، وأيضا هذا ما يرغب فيه تنظيم الحركة الاسلامية ومليشياته المسلحة. مضيفا : ” روسيا ترغب في استمرار الحرب في السودان لأنها تستثمر في هذه الفوضى وغياب الدولة في السودان للحصول على الذهب وقاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر ، لذلك ظهرت الى جانب الجيش عند اقتراب موعد بدء التفاوض في جدة لتعطيله عن طريق الدعم العسكري لقادة الجيش”.
وعطفا على ذلك ، لم يستبعد ديدان أن يحصل الدعم السريع على دعم عسكري من دول الغرب بطريقة غير مباشرة، فالغرب لا يعمل بنفس طريقة روسيا لاختلاف نموذج الدولة عند الطرفين، لكن يمكن ان يغض الغرب الطرف عن آليات وصول التسليح للدعم السريع من جهات أخرى أو من السوق السوداء.
وأكد ديدان بأن تعاون ” فاغنر” مع الدعم السريع، لن يتوقف، لأن روسيا لديها مصالح مع الدعم السريع في افريقيا الوسطى ، تتعلق بسرقة الذهب هناك أيضا، عن طريق فاغنر ودعم تمددها فى دول الساحل الافريقي على حساب فرنسا.
وختم ديدان حديثه :”الموقف الروسي الأخير سيعقد وضع الحرب في السودان ويدعم تحولها الى حرب طويلة الأمد وفي حالتنا هذه ستتحول إلى حرب أهلية “.
مراقبون دوليون يرون بأنه بعد أكثر من عام على الحرب في السودان، فإن نفوذ القوى الدولية يطال الواقع السياسي العسكري الذي افرزته الحرب. ويتضح جلياً من الاهتمام الروسي، فالسودان ظل بالنسبة لروسيا أحد المواقع الجيوسياسية ذات الأهمية البالغة، من حيث أنه يعد مدخلاً لشرق افريقيا، الذي تنشط فيه روسيا عبر وكالاتها السياسية والعسكرية( فاغنر). فمنذ نظام البشير عملت روسيا على تمكينها من ثروات السودان الكبيرة و مُنحت امتيازات للتنقيب عن الذهب في أراضي واسعة من السودان، وعمد النظام الروسي على تمويل خزائنه و ثبيت اقتصاده بواسطة الذهب. وتفاقم الأمر بعد اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، و الحصار الاقتصادي الذي تفرضه دول الاتحاد الأوروبي بمساندة الولايات المتحدة الامريكية. وبعد اندلاع الحرب في السودان في ال١٥ من ابريل ٢٠٢٣م ، وزيادة حدة الصراع, ودخول أوكرانيا فيه عبر إمداد سلطة العسكر في السودان بمسيرات ذات تقنية عالية ودقيقة، خشى الجانب الروسي من ضياع امتيازاته على الأرض في ظل التقارب بين أوكرانيا وسلطة العسكر، وفقدان علو يده على الذهب في السودان . فتدخل روسيا الحالي في حلبة الصراع لقطع الطريق على أي شكل من التحالف الممكن بين السودان وأوكرانيا ،و من خلفها الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. الأمر الذي يهدد الاتفاقيات السابقة بين روسيا والسودان ، حيث يضمن هذا الأخير تدفق الدعم العسكري و السياسي الروسي (تحديداً في مجلس الأمن) ، مقابل تدفق الذهب لخزائن النظام الروسي وثتبيت أركانه خارج فضاء الحظر الأوروبي الأمريكي.