أخباربودكاست

الجرائم الموجهة ضد الدولة والتوظيف السياسي ضد الخصوم

د. أحمد عثمان عمر  (*) 

(١) 

بدأت في مدينة كسلا محاكمة المواطن عمر هلالية المعارض للحركة الإسلامية المجرمة ومليشيا الجنجويد الارهابية، والرافض للحرب وطرفيها معا عبر تمسكه بشعار ثورة ديسمبر المجيدة ” الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، وذلك لأنه عضو معروف في الحزب الشيوعي السوداني. حيث تم اتهامه سياسيا بعد اعتقاله لأشهر بمجرد وصوله للمدينة مع والده المريض للعلاج، وتقديمه للمحاكمة تحت مواد القانون الجنائي (50) تقويض النظام الدستوري، و (51) إثارة الحرب ضد الدولة، (52) التعامل مع دولة معادية!!! وما رشح من اخبار ، يشير إلى ان هذه الإتهامات الضخمة التي عقوبتها من الممكن ان تصل إلى الإعدام، مبنية على رسائل مزعوم انها وجدت بهاتفه الجوال، تؤكد أن له علاقة ما – لم يتم توضيحها – بمليشيا الجنجويد الارهابية ، علما بأنه كان يعيش في منطقة هرب منها الجيش المختطف، وتركه تحت رحمة المليشيا الارهابية. 

وبالرغم من أن المواد المذكورة تنطبق على قيادة المليشيا الارهابية وقيادة الجيش المختطف بالاساس وخصوصا المادة (50) تقويض النظام الدستوري بسبب قيامهما بإنقلابين عسكريين مازالت أثارهما غير الدستورية مستمرة، فهي لا تنطبق على المواطن المذكور ولا غيره ممن يقدمون للمحاكمة لتصفية الخلافات السياسية معهم حتماً ، وتوظيفها ضدهم يتم لخلق حالة من الرعب وتعميم الاتهام بالتخوين ليس إلا. 

(٢) 

والسؤال المباشر هو لماذا تنجح سلطة الأمر الواقع في توظيف هذه المواد ضد خصومها السياسيين بالاساس إن كانت لا تنطبق عليهم، وتمضي إلى حد الإدانة وتعريض حياتهم للخطر؟ والإجابة تكمن في أن المواد المذكورة بطبيعتها تشتمل على جرائم سياسية، صياغتها فضفاضة جدا ومخالفة لمبدأ الشرعية الذي يجعل من النص العقابي مشروعا، بحيث تكون الجريمة موصوفة بدقة حتى يتمكن المواطن والمقيم بالبلاد من معرفتها قبل ارتكابها ، ويصح العقاب عليها وفقا للنص العقابي. ولكن السبب الاهم هو أن الأجهزة العدلية مختطفة من قبل الحركة الإسلامية المجرمة ، التي تستخدمها في تصفية حساباتها مع خصومها. فالنيابة لم يتم إصلاحها حيث منعت اللجنة الامنية للانقاذ الانقلابية ذلك الاصلاح، والقضاء غير مستقل وتابع لتلك الحركة المجرمة تبعية مطلقة، وشروط المحاكمة العادلة لا تتوفر حتما في ظل حالة طوارئ غير دستورية معلنة من قبل سلطة الامر الواقع غير الشرعية. وهذه الأمور سنعرض لها بإختصار أدناه. 

(٣) 

تقوم المادة (50) في جذرها الاساس المتمثل في ركنها المادي، على تجريم من يرتكب أي فعل يقصد به تقويض النظام الدستوري للبلاد او تعريض استقلالها او وحدتها للخطر ، والنص عام جداً بلا شك، يسمح للسلطة السياسية باعتبار اي فعل يقوم به اي شخص واقعا تحت هذا التعريف، في حال اعتبارها توفر قصد التقويض وتعريض استقلال البلاد او وحدتها للخطر. فالسلطة السياسية وحدها المسيطرة على جميع الاجهزة العدلية بما فيها القضاء غير المستقل، هي من يحدد ان الفعل يقوض النظام الدستوري او أنه يعرض الاستقلال والوحدة للخطر، ومن يحدد ان ذلك الفعل قد توفر معه القصد الجنائي كعنصر معنوي بعد اكتمال عناصر العنصر المادي من فعل ونتيجة وعلاقة سببية. والواضح هو أن النظام الحالي وسلطة الأمر الواقع التي تمثله غير دستوري، فهو سليل انقلاب قوض النظام الدستوري وفقا للوثيقة الدستورية المعيبة سارية المفعول، وبالتالي ليس له شرعية دستورية وهو غير جدير بحماية نص المادة الفضفاض أصلا ، وبالتالي يصبح فعل التقويض مستحيل لان النظام نفسه مبني على ارتكاب هذه الجريمة من قبل العصابة التي بنته. فوق ذلك ان الفعل المنسوب للمواطن – وهو فعل غامض – عبارة عن رسالة نصية، مهما كانت طبيعتها، لا يمكن ان تشكل فعلا يرقى إلى مستوى تقويض النظام الدستوري من قبل شخص واقع تحت رحمة مليشيا إرهابية شريكة في تقويض النظام الدستوري، فقول مثل هذا المواطن المغلوب على امره – مهما كان- لا يمكن ان يقوض حلقة رقص ناهيك عن نظام قانوني بأكمله. فهذا المواطن وغيره ممن يقعون تحت رحمة المليشيا الأرهابية بعد هروب الجيش المختطف ، لا حول لهم ولا قوة، وقصارى ما يستطيعون عمله هو إبداء آراءهم في الحرب. واتهامهم بالتعاون مع المليشيا الارهابية – حتى ان ثبت- لا يجب اعتباره قد تم في وجود قصد جنائي لتقويض النظام الدستوري برمته ، وذلك لوجود اكراه واضح قد لا يصلح دفاعا كاملا ولكنه يضعف وجود ارادة للفعل، ولعدم وجود نظام دستوري بالأصل ليتم تقويضه، ولأن المليشيا نفسها مازالت مشرعنة دستوريا بنص المادة (35) من الوثيقة الدستورية، التي تضعها على قدم المساواة مع الجيش المختطف ، وتجعلهما معا طرفا المؤسسة العسكرية، فكيف يكون التعاون مع جسم دستوري وجهاز من اجهزة الدولة تقويضا للنظام الدستوري؟!

(٤)

أما المادة (51) إثارة الحرب ضد الدولة،فحظها أقل من حيث صلاحية تقديم المواطنين او المقيمين تحتها للمحاكمة، لأن ايا من المذكورين لا يستطيع إثارة الحرب ضد الدولة الغائبة أصلا. فحالة اللا دولة الحالية والتي فصلناها في مقال سابق من حيث غياب الاعتراف الدولي بسلطة الأمر الواقع، وفقدانها لأكثر من 70% من أراضي الدولة لمصلحة المليشيا الارهابية، وعدم وجود سلطة تشريعية مع غياب القضاء عن كامل التراب المحتل من قبل المليشيا وتبعية ما تبقى من قضاء للسلطة غير الشرعية، تجعل الحديث حول إثارة الحرب ضد دولة غير موجودة أصلا أمرا غير ذي مقتضى وبدون اساس. وفوق ذلك المواطن او المقيم لا يستطيع أن يجمع عتاد او يجند رجال او يدربهم لاثارة الحرب ، وقصارى ما يمكن ان يتهم به هو التحريض او التأييد لمن يثير هذه الحرب. ولا نظن بأن المليشيا الأرهابية المشرعنة دستوريا من قبل العناصر الانقلابية المسيطرة على سلطة الأمر الواقع و “قحت” بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة ، بحاجة إلى تحريض أو تأييد من مواطن فرد او مقيم للقيام بإثارة الحرب ضد الدولة او الاستمرار فيها. فهي – وللمفارقة- من ناحية دستورية مازالت جزءا من اجهزة الدولة بنص الدستور، وهي قامت بفعلها الأجرامي والمشاركة في الحرب الراهنة واستمرت فيها بالفعل وليست بحاجة إلى تحريض او تأييد لانها لم تتحول إلى سلطة بديلة حتى هذه اللحظة تقوض النظام الدستوري الذي كان قائما قبل الحرب، لأنها شريك اصيل في تقويض النظام الدستوري بالشراكة مع سلطة الامر الواقع في بورتسودان عبر انقلاب اكتوبر 2021م. وبالتالي الاتهام ان صح، يجب ان يوجّه للمليشيا الارهابية والجيش المختطف وقيادته ، لثبوت اثارتهما الحرب ضد الدولة القائمة بالخروج على النظام الدستوري وتقويضه بقوة السلاح. ولسنا في حاجة لمناقشة المادة (52) التعامل مع دولة معادية، لأن سلطة الأمر الواقع لم تعلن اي دولة كدولة معادية وتقطع العلاقات الدبلوماسية معها حتى الان ، ولأن المواطنين الذي يقدمون للمحاكمات لا ادوات لديهم للتعامل مع هذه الدولة ان وجدت ، ولان وكلائها ( المقصود المليشيا الارهابية) التعامل التجاري معهم ليس اختيارا في مناطق سيطرتهم، لأن رفضه يعني الموت الزؤام او التعرض للشفشفة في ظل هروب الجيش المختطف من تلك المناطق وتركه للمواطن البسيط تحت رحمة المليشيا الارهابية. 

والمطلوب حتما هو التضامن مع اي مواطن يقدم تحت هذه المواد الخطيرة لاسباب سياسية، ورفض ان يقوم من قوض الدستور بمحاكمة من يرفضون ذلك التقويض ، وإطلاق حملة واسعة حقوقية لدعم من يحاكمون سياسيا لرفضهم الحرب وطرفيها. 

وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.

(*) كاتب وباحث وقانوني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى