
في ظل الحرب المستمرة في السودان، تتعقد الحسابات الإقليمية والدولية، حيث تتباين مواقف القوى الفاعلة تجاه أطراف الصراع. رغم الاتهامات الرسمية التي وجهتها الحكومة السودانية للإمارات بدعم قوات الدعم السريع، فإن الخرطوم لم تقدم على خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي، مما يثير التساؤلات حول السر وراء هذا التوازن الدقيق.
من ناحية أخرى، تبرز تسريبات عن اتفاق غير معلن، تقوده السعودية بدعم إقليمي ودولي، يستهدف إضعاف قوات الدعم السريع وإخراج الإمارات من المشهد السوداني كحليف استراتيجي لهذه القوات. وإذا صحت هذه المعلومات، فهل يمكن فهم ذلك ضمن إطار المنافسة بين الرياض وأبوظبي في الملفات الإقليمية، خاصة مع تباين استراتيجيات البلدين في اليمن والقرن الأفريقي؟
علاوة على ذلك، كيف تؤثر التوترات في إثيوبيا وإريتريا والصومال على الحرب في السودان، خصوصًا مع فقدان الدعم السريع لبعض مواقعه الاستراتيجية؟ وهل تعيد الإمارات ترتيب أولوياتها في المنطقة بعد التطورات الأخيرة، أم أن لديها بدائل أخرى لتعزيز نفوذها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي؟
أولًا: صراع النفوذ بين السعودية والإمارات
منذ انسحاب الإمارات من المشاركة العسكرية المباشرة في عملية عاصفة الحزم في اليمن، بدأت تتضح ملامح تباين استراتيجي بينها وبين السعودية في التعامل مع القضايا الإقليمية. ففي الوقت الذي ركزت فيه الرياض على دعم حكومة يمنية مركزية قوية، اختارت أبوظبي الاعتماد على وكلاء محليين، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي.
هذا التباين انعكس أيضًا في السودان، حيث دعمت الإمارات قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بينما تبنت السعودية موقفًا أكثر براغماتية، ساعية إلى الحفاظ على توازن القوى بين الجيش السوداني والدعم السريع، لكن مع ميل خفي لصالح الجيش.
ثانيًا: تأثير التوترات في القرن الأفريقي على الحرب في السودان
لا يمكن فصل الحرب السودانية عن التغيرات الجيوسياسية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. فقد أدى التوتر بين إثيوبيا وإريتريا، وخروج الإمارات من بعض المواقع الاستراتيجية مثل ميناء بربرة في الصومال، إلى تقليص خيارات أبوظبي اللوجستية في المنطقة.
مع تحسن العلاقات بين الجيش السوداني وإثيوبيا، أصبحت الإمارات أمام تحدٍ جديد، حيث أن أي دعم لقوات الدعم السريع قد يواجه قيودًا إضافية على خطوط الإمداد، خاصة إذا ما تعاون السودان وإثيوبيا في تأمين الحدود والموانئ.
ثالثًا: لماذا لم يقطع السودان علاقاته مع الإمارات؟
رغم تقديم السودان شكاوى رسمية ضد الإمارات بشأن دعمها للدعم السريع، فإنه لم يقدم على خطوة القطيعة الدبلوماسية. ويمكن تفسير ذلك بعدة عوامل:
تجنب التصعيد المباشر: السودان يدرك أن قطع العلاقات قد يدفع الإمارات إلى تعزيز دعمها لقوات الدعم السريع بشكل علني، مما يعقد المشهد العسكري والسياسي.
الضغوط السعودية والمصرية: من المحتمل أن تكون الرياض والقاهرة قد نصحتا السودان بعدم التصعيد مع الإمارات، حفاظًا على التوازنات الإقليمية، وتجنب خلق تحالفات جديدة قد تكون غير مواتية للخرطوم.
العامل الاقتصادي: تمتلك الإمارات استثمارات كبيرة في السودان، وقطع العلاقات قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية سلبية على الخرطوم التي تعاني أصلًا من أزمة اقتصادية خانقة.
إبقاء باب الوساطة مفتوحًا: السودان يفضل استخدام الضغط الدبلوماسي التدريجي بدلًا من القطيعة الكاملة، حتى يظل قادرًا على التفاوض واستغلال المتغيرات لصالحه.
رابعًا: هل هناك اتفاق غير معلن لاستبعاد الإمارات؟
تشير بعض المصادر إلى أن هناك اتفاقًا غير معلن، ترعاه السعودية بمباركة إقليمية ودولية، يهدف إلى إضعاف الدعم السريع وتقليل النفوذ الإماراتي في السودان. إذا صحت هذه المعلومات، فإن ذلك يعكس:
تحركًا سعوديًا لإعادة ترتيب المشهد السوداني بما يضمن استقرار البلاد تحت قيادة مركزية قوية.
محاولة للحد من تأثير الإمارات في المنطقة، خاصة بعد تباعد المصالح بين الرياض وأبوظبي في عدة ملفات.
دعمًا دوليًا لإنهاء الحرب وتقليل مخاطر تحول السودان إلى ساحة صراع طويلة الأمد.
وعطفا على ما سبق فإن ما يجري في السودان ليس مجرد حرب داخلية، بل هو ساحة صراع نفوذ بين القوى الإقليمية وامتدادات علاقاتها الدولية. فالإمارات كواحد من هؤلاء اللاعبين تجد نفسها في موقف معقد، حيث تفقد بعض نقاط قوتها الإقليمية، خاصة مع تصاعد الدور السعودي في إدارة الأزمة السودانية.
السودان من جهته يتبنى سياسة التوازن بين الضغط على الإمارات دبلوماسيًا وبين تجنب القطيعة الكاملة، حفاظًا على مصالحه الاقتصادية والعسكرية. وفي ظل التطورات الحالية، قد تجد الإمارات نفسها مضطرة إلى إعادة تموضع استراتيجيتها في السودان والقرن الأفريقي، سواء عبر التقارب مع الجيش السوداني أو البحث عن تحالفات بديلة لتعويض خسائرها في المنطقة.