لأول مرة وخلافاً لكل عام، يحل شهر رمضان على السودانيون في ظل ظروف معيشية صعبة وأوضاع إنسانية معقدة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش و”قوات الدعم السريع” منذ الخامس عشر من أبريل الماضي.
ويستقبل كثير من المواطنين داخل ولاية الخرطوم والنازحين في المدن الأخرى الشهر الكريم وسط أجواء من الأحزان والخوف والترقب والهلع، مع نقص حاد في المواد الغذائية وارتفاع أسعار السلع الضرورية وخدمات الكهرباء والماء.
غياب الطقوس والعادات
طقوس وعادات عديدة اختفت من بينها الإعداد المبكر لمشروب (الحلو مر) أو ما يعرف بـ “الآبري” بنوعيه الأحمر والأبيض والذي ما أن تفوح رائحته في الأجواء يتأكد الجميع أنها إحدى إشارات قدوم رمضان، فهو مشروب رئيس في مائدة الإفطار، لكن الظروف الاقتصادية الطاحنة جعلت غالبية الأسر تعجز عن تجهيز (الحلو مر)، فضلاً عن عدم القدرة على شراء الاحتياجات الأساسية من أواني منزلية وذرة وقمح ودخن وتمور وغيرها.
تقول رانيا التوم – ربة منزل تسكن أم درمان لـ (مشاوير) : أسهمت الأوضاع الإنسانية والظروف الصعبة في عدم قدرة كثير من الأسر السودانية على تحضير قوائم متطلبات شهر رمضان خصوصا المنتجات الشعبية من كركدي وتبلدي ودخن وعرديب بسبب تداعيات الحرب وعدم آمان الطرق القومية.
وتضيف : لم تتمكن النسوة من تجهيز مشروب (الحلو مر) هذا العام كما جرت العادة نظراً لارتفاع الأسعار ونفاد المدخرات المالية للغالبية، كما لم نستطيع تحضير اللحم المجفف (الشرموط) والبصل المحمر أيضاً.
بيوت حزينة
يأتي رمضان وقد سلبت الحرب بريقه المعتاد وطقوسه، فالمنازل تكسوها كآبة لاتخطئها عين عابر، لايبدو أن رمضان قد طرق سكونه بعد أن غير الحزن بهجته التي كانت فيما مضى تضُج بالحياة، وبدأت المنازل في ولايتا الخرطوم والجزيرة حزينة وهجرها سكانها بعد تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش و”قوات الدعم السريع”، ولم يفلح المتواجدين في بحري وأم درمان ومدني والحصاحيصا وبقية المناطق في تغيير مظاهر البيوت وشراء الأواني و الزينة الرمضانية .
في هذا الصدد تشير مواهب العبيد في حديثها لـ (مشاوير) إلى أن “توقف الأعمال اليومية لأرباب الأسر وعدم صرف الرواتب لأكثر من (10) أشهر عوامل أسهمت في عدم قدرة كثير من المواطنين على تجهيز احتياجات شهر رمضان من مواد غذائية بالجملة، فضلاً عن تجديد مظهر المنازل كما جرت العادة كل عام.
وتضيف : اكتفي الغالبية بالاحتياجات الضرورية وفي نطاق محدود للغاية، كما أن الطقوس والعادات اختفت بشكل تام خصوصا تجهيز مشروب (الآبري) بنوعيه الأحمر والأبيض إلى جانب عادة (موية رمضان) التي تقوم أسرة الفتاة المخطوبة بتحضيرها وتتكون من الأواني المنزلية والبهارات وجرادل “الحلو مر” وجوالات السكر والكركدي والعصائر بأنواعها والبلح وذلك لإرسالها لأسرة العريس (النسابة).
رمضان خارج السودان
أجبرت الحرب آلاف السودانين على اللجوء إلى دول الجوار الأفريقي مثل أوغندا وكينيا وإثيوبيا ومصر وبعض دول الخليج، وأضطرت أعداد كبيرة على صوم الشهر الكريم خارج البلاد، ويفتقد كثيرون طقوس وعادات وتقاليد رمضان إلى جانب الحاجة لمشروبات المنتجات الشعبية مثل التبلدي والكركدي و(الآبري) بنوعيه الأحمر والأبيض، فضلاً عن الدخن والويكة وغيرها من مستلزمات شهر رمضان.
ندى الطيب التي تقيم في أوغندا مع أسرتها تقول لـ (مشاوير) : لأول مرة في حياتي اقضي شهر رمضان خارج السودان وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة نظراً للالتزمات المالية مثل مستحقات الإيجار الشهري والاحتياجات اليومية من غذاء إلى جانب توفير الأدوية والكساء، بالتالي لم نتمكن من شراء مستلزمات رمضان.
وتضيف : نفتقد (الحلو مر) والدخن والويكة والتبلدي والكركدي والعدسية وبليلة الكبكي وغيرها من الاحتياجات المهمة.
وتتابع : هناك طقوس وعادات لا نجدها في دولة أوغندا مثل الإفطار مع الجيران والأهل ولمة (القهوة) السودانية المميزة.
فوارق كبيرة
من جهته يقول جعفر حسين المقيم في كينيا لـ (مشاوير) : سنفتقد هذا العام إفطار الشارع والساحات العامة والميادين ورياضة المشي ولمة لعب الورق (الكوشتينة) و(الضمنة) في شارع النيل بالعاصمة الخرطوم. ويضيف : الفرق بين رمضان في السودان ودول الجوار الأفريقي يتمثل في سماع الأذان من المسجد مباشرة بجانب صلاة التراويح ودروس القرآن الكريم.
وأوضح جعفر أنه كان يمني نفسه بوجود مستلزمات رمضان خصوصا المنتجات البلدية مثل الدخن والتبلدي والكركدي والويكة، لكن ظروف الحرب حرمته من مستلزمات الشهر الكريم التي يفضلها كل عام.