قضايا

السودان.. سوق الكراهية يزدهر كيف نغلقه؟

مصعب محمد علي (*)

فجرت تصريحات بثتها الإذاعة القومية لضابط سابق بجهاز الأمن غضبا كاد يعيد حالة من الصراع الأهلي والتوتر شهدها إقليم شرق السودان في العقود الماضية.

وشكك ضابط الأمن السابق، بدر الدين عبد الحكم، في الهوية السودانية لمكونات أهلية قال إنها لا تنتمي إلى السودان ويجب أن تنزع عنها الجنسية السودانية.

وسرعان ما سرت حالات من الغضب لدى المكون وتوعد منتمون له بالرد والانتقام.

مثل هذا التصريح العنصري يدلل على عناصر وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحزب المؤتمر الوطني المحلول الذين ارتبط خطابهم ومشروع حكمهم (١٩٨٩- ٢٠١٩) بتسميم الفضاء العام.

وبعد اسقاط نظام حكم حزب المؤتمر الوطني عبر ثورة سلمية ناهضت القوى السياسية خطاب الكراهية، وبدأت تزدهر وسط السودانيين الاهازيج والاغنيات التي تحتفل بالسودان الموحد،
لكن عاد خطاب الكراهية إلى الواجهة من جديد بعد حرب ١٥ أبريل المندلعة بين الجيش وقوات مليشيا الدعم السريع، فأصبح المجتمع السوداني أمام حالة استقطاب حاد أثناء الحرب.

فما هي أسباب عودة خطاب الكراهية اثناء الحرب؟

يرى القيادي بالحزب الناصري، منذر أبو المعالي، أن عودة هذا الخطاب وتفشيه لم يماثله خطاب في تاريخ السودان الحديث، وأن عودته إلى الواجهة هي ما خلقت حالة انقسام وسط السودانيين، وقال إن جماعة الإخوان المسلمين ظلت تعمل على بتر الأيادي المرفوعة نحو السلام وايقاف الحرب، إما بالاعتقال أو التصفية أو بالتخوين؛ فأصبح هناك تياران، تيار يدفع المجموعات السكانية نحو القتال وآخر رافض. فبرزت في السطح عمليات التجييش أو ما يسمى بالمستنفرين، وكذلك التجنيد الإجباري وإشراك المدنيين قسرا في الحرب المشتعلة.

وأشار أبو المعالي إلى إعلان عدد من القبائل عن انضمامها لطرف ضد الآخر بسبب العرق والانتماء القبلي.

هل أيادي فلول النظام المباد هي من تؤجج نيران الحرب الأهلية؟
بالنسبة للقيادى بحزب البعث العربي الاشتراكي، وجدي صالح، الإجابة “نعم”.

ويقول إن فلول النظام الإسلامي الساقط يمارسون التخريب المنظم وسط الجيش والاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن، وفي بعض الولايات بدعم الشيوخ والعمد ورجال الإدارة الأهلية (غير المؤهلة) لاختطاف اسماء الجماهير ومناطقهم ومدنهم والمتاجرة بها سياسيا لتأجيج نيران الحرب والتحضير للخطة(ب) وتحويل الحرب (لحرب أهلية) في حال فشلهم فى الإجهاز على جذوة الثورة بالحرب العبثية بين الفلول (العسكريين والمدنيين ) مع قوات الدعم السريع وتحقيق نصر عليها للانفراد بالسلطة وثروات السودان.

ويرى أن الشعب السوداني يقف بالمرصاد ويدرك هذه العملية الخبيثة ويرفض أي تجميع وتوجه نحو الخطاب العنصري الذي يفتح الباب نحو الحرب الأهلية تحت الغطاء القبلي أو الجهوي أو العشائري أو السياسي.

وبالنظر إلى الشهادات التي أدلى بها المعتقلون لدى الجيش وقوات مليشيا الدعم السريع، فهي تؤكد على أن عمليات القتل والاستجواب كلها ارتبطت بالنزاع العرقي الذي عرفه إقليم دارفور مطلع الألفية.

ماذا يريد جنرالات الحرب ؟

هذا السؤال اطلقه عصمت شريف ساتي أحد الفارين من ويلات القتال في مدينة الخرطوم خاصة وأن ذاكرته كلها محتشدة بأهوال الحرب.
ولم يكن له حديث غير الحديث عن الحرب وما سببته له من أحلام وكوابيس مزعجة، يقول شريف: شاهدت رجالا ذُبحوا، وأطفالا قُتلوا بالرصاص ونساء تمزقن أشلاء بسبب الدانات الطائشة والقصف الجوي العشوائي، واثناء فراري من هذه الأهوال، انهالت على اسئلة حول القبيلة التي انتمي اليها وكانت هناك اتهامات جاهزة ومعلبة يطرحها أفراد قوات الدعم السريع.

وبالمقابل، تعرض مدنيون في مناطق سيطرة الجيش إلى الاعتقال والتعذيب الوحشي بسبب الهوية.

وكان والي ولاية نهر النيل، شمال السودان، أطلق قبل أشهر تهديدات طالت مكونات قبلية موجودة في الولاية، يرى أنها مهدد أمني، محذرا من خطورتها واعتبرها خلايا نائمة تتبع للدعم السريع، وعلى الفور نشطت حركة اعتقال طالت هذه المكونات.

يقول منذر أبو المعالي إن بسبب مثل هذه الخطابات العنصرية ارتكب طرفا النزاع جرائم بشعة وصلت حد قطع الرؤوس وبتر الأيادي والتمثيل بالجثث!

وأضاف: “هناك تجاهل تام للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وهو أمر خطير ومقلق تسبب فيه خطاب الكراهية الذي أصبح مسيطرا على الفضاء العام، خاصة الإسفيري.

وشدد أبو المعالي على ضرورة تحرك القوى المدنية لمناهضة هذا النوع من الخطابات
والتي يرى أنها ضمن مخططات فلول النظام المباد وأنها تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي.

كما أنها دفعت بالسودان على شفا حرب أهلية ستكون واسعة النطاق.

 

(*) كاتب وصحفي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى