بشير إدريس محمدزين (*)
• أصبحنا نعرف (تقريباً) نتيجة كل مواجهة في أي مدينة أو منطقة بين الجيش والدعم السريع، بل نتوقعها..
يهاجم الدعم السريع المدينة بضراوة من عدة محاور كل النهار وينسحب منها مع نزول الليل، يتبادل معه الجيش تبادل إطلاق النار من مكانه الذي فيه، وقلما يحاول التقدم لمدافعته، ويبدأ بعض المواطنين فوراً في النزوح، ويسود الخوف والرعب والترقب كل المدينة.. لماذا يسارع بعضُ المواطنين بالنزوح ؟! لأنهم خائفون، ولأنهم لا يثقون في وجود أي جهة قادرة تقوم بحمايتهم فيحمون (هم) أنفسهم وعيالهم بالنزوح. في صباح اليوم التالي يكرر الدعم السريع هجماته طوال النهار، (فيرُد) عليه الجيش (عندئذٍ) تبادل النار، ويتراجع الجيش إلى (داخل قلب المدينة) أكثر وأكثر، هذا إذا كان متقدماً، أو كان خارج ثكناته أصلاً، أو ينكمش داخل ثكناته إذا كان داخلها، وربما في هذا اليوم والأيام التالية تبدأ بعض عمليات النهب وكسر المحال التجارية، وسلب المواطنين من قِبل اللصوص والمتعطلين والإنتهازيين وساكني الأحياء الفقيرة المجاورة، ومن الدعم السريع ومن الجيش نفسيهما، ثم ينسحب الدعم السريع بمغيب الشمس كعادته، إلى أطراف المنطقة، ويتحوصل الجيش وينكمش في قيادته داخل المدينة، وتستمر عمليات النهب والتكسير والتخريب طوال الليل. في اليوم الثالث يحدث نفس الشئ وهنا قد يتدخل سلاح الطيران فيقصف (عمّال على بطّال) خبطَ عشواء لا تلوي على شئ ولا تستبين شيئاً !! مجرد هذا السِّجال، حتى ولو لم يحسم أحد الطرفين الآخرَ عسكرياً كما حدث في الخرطوم، ومع نزوح المواطنين، وشيوع التكسير والنهب والسلب والخوف والترقب هو كافٍ أن يسمى بالضبط حرباً، وهو أسوأ ما يصيب المواطنين ومدنَهم من ويلات الحرب، ثم تتم (الخياطة بالحرير) إذا مات المواطنون أو أصيبوا أو أُنتهكت أعراضُهم، وهذا بالضبط هو ما يسمى بالحرب البشِعة !
• لقد أصبح معلوماً إنّ مجرد دخول خمس إلى عشر عربات عسكرية للدعم السريع إلى أي مدينة أو ضاحية وإطلاقها أعيرة نارية، ولو في السماء، كافٍ جداً لإحداث ظرف الحرب المرعب هذا لدى المواطنين وجيشهم على السواء، ولقد حدث هذا في أكثر المدن والضواحي في دار فور وشمال كردفان وفي داخل مدينة الأبيض وفي شرق الخرطوم والآن في ولاية الجزيرة !! أصبح المواطنون لا يثقون في شئ إلا النزوح إلى أماكن آمنة على قلتِها !!
• ومن قدرِ اللهِ المكتوب على شعب السودان أن كل قيادات جيوشه وحامياته وقلاعه ومخازن ذخائره ومطاراته، كلها كلها متواجدة وسط أحياء المواطنين، وتقاسمهم أنفاسهم وأفراحهم وأتراحهم وأسرارهم ولياليهم المِلاح وغير المِلاح، وعندما أندلعت هذه الحرب كان لزاماً أن تتقاسم معهم هذه الحاميات والقيادات ذات الليالي القاسية، والضرب والكر والفر والإنسحابات والإنكسارات !!
• والله إني لأفرح حد الطرب حين أرى المواطنين يحاولون أن يخلقوا لهم فرحةً، ولو قليلة، حين يرون جيشهم في الطرقات، فيحتفون به، ويهتفون له، ويأخذهم الإنفعال فيما يشبه جذب الدراويش، وتزغرد نساؤهم وينطط الأطفال، وينسون كل شئ بينهم وبين جيشهم، ويشكل هذا الفرح التلقائي الطيب لمحةً بديعةً وعفويةً مما يرنو إليه المواطنون ويتمنونه، ككل شعوب العالم ذات الجيوش المحبوبة !! ولكن يؤسفنا أن جيشَنا ليس بخير!
• بكل أسف، ربما يكون مكتوباً على غالب المدن السودانية إما أن تتذوق مرارة الخوف والترهيب والتخريب والسلب والنهب أو الحرب نفسها، أو أدنى إفرازاتها، وهو تدفق النازحين من المدن الأخرى إليها..
• لا نرى مناصاً قط، ولا حل غير إيقاف هذه الحرب، والدولة هي التي تأخذ زمام مبادرة إيقاف الحرب لا (الماليشيا)، وإذا كانت الدولة لا تريد إيقاف الحرب فلنأذن -إذن- بالخراب والخوف والأرض اليباب !!
(*) كاتب واكاديمي