على رغم تصدر حرب الخرطوم اهتمامات السودانيين داخل البلاد وخارجها، وسيطرة أخبار العمليات العسكرية وتداعياتها الإنسانية على حديث المنصات والصحف والمواقع العالمية، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات السودانيين تحولت بصورة مفاجئة إلى ساحة احتجاج حاشدة شارك فيها الملايين بتغريدات ناقدة لمقاطع فيديو يظهر فيها عدد من عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير يطلقون فيها تهديدات تتوعد بالانتقام من القوى المدنية التي قادت حراك ثورة ديسمبر 2018.
وأعاد الكم الهائل من التغريدات على “السوشيال ميديا” الأذهان إلى المسيرات المليونية وتظاهرات الضغط الجماهيري الحاشدة التي أطاحت بأطول نظام حكم في تاريخ السودان دام مدة 30 عاماً.
وتزامن نشر مقاطع الفيديو مع اتهامات لمجموعات تقاتل في صفوف الجيش بتصفية وقتل مدنيين بعد دخولها منطقة الحلفايا بالخرطوم بحري، وحملات الاعتقالات المستمرة التي تطال عدداً من الناشطين والتضييق على الأصوات التي تنادي بشعار “لا للحرب”.
بيانات وشعارات
وتم تداول هاشتاق ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، بشعارات متنوعة، منها “ديسمبر باقية وستنتصر”، و”ثورة ديسمبر خنجر لكل الطواغيت” و”ديسمبر باقية وتتمدد”.
إلى ذلك، أصدرت مجموعات حقوقية وشعبية بيانات منددة بخطوة عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير، معتبرة أن تلك التهديدات تأتي في إطار حملة منظمة لتصفية الرافضين للحرب والداعمين للتحول المدني الديمقراطي.
وقال تجمع الثوار المقاومين في بيان “شاهدنا وسمعنا في وسائل التواصل الاجتماعي تهديدات أطلقتها مجموعة من عناصر النظام البائد يبشرون بانتهاء ثورة ديسمبر، ظناً منهم أن هذه الحرب العبثية هي نهاية الثورة”.
وأضاف البيان “سنظل مقاومين إلى الأبد، وسنكون خنجراً مسموماً في أعين الجماعات الإرهابية، ومتى ما توقفت الحرب العبثية سيشهر ملايين السودانيين هتافهم في الشوارع”.
على الصعيد نفسه، أشارت لجان مقاومة الخرطوم في منشور على موقعها “فيسبوك” إلى أن “ثورة ديسمبر ستظل خنجراً مسموماً في خاصرة كل الطواغيت”.
بالمقابل، نشرت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر مقطع فيديو لجنود وهم ينشدون التمجيد بثورة ديسمبر.
نصرة الشعب
على نحو متصل، قال القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم” خالد عمر يوسف إن “عناصر النظام البائد ومن شايعهم من دعاة الحرب لم ينتظروا انجلاء غبار المعركة، فخرجوا مظهرين كل أشكال قبحهم، تهديداً لكل من انتمى لثورة ديسمبر ووعيداً بتصفيتها كلياً وإعادة عقارب الساعة لتنتج نسخة أكثر بشاعة من سنوات تسلطهم الـ30”.
وأضاف أن “طبيعة هذه الحرب وأهدافها والقوى التي اشعلتها وترغب في استمرارها لا تخفى إلا على من آثر دفن رأسه في الرمال، فهي حرب الانتقام من الشعب الذي ثار في وجه ظلم نظام الجبهة الاسلامية القومية، هذه حرب إذلال الناس وتمريغ كرامتهم لأنهم آثروا الحياة بحرية والخلاص من سلطة القهر والبطش”.
وأوضح يوسف أن “النظام السابق صنع وضعية تعدد الجيوش،و اخترق المؤسسات الأمنية والعسكرية وأضعفها،و استثمر وجوده داخلها للتآمر على الانتقال والانقلاب عليه، وحين هب الشعب بكلياته وأجهض الانقلاب ولاح أمل بأن ينتهي عبر الحل السياسي التفاوضي، استثمر عناصر النظام السابق في الشقاق بين القوات المسلحة والدعم السريع وقاموا بتعميقه واشعلوا الشرارة التي أدت لصدام طرفين متحفزين ومتنافسين ومدججين بكل أنواع السلاح، وعملت هذه العصابة على اجهاض أي فرصة للحل السلمي لهذا النزاع، فهم من يتكسبون منه غير مبالين بآلام الناس”.
ويتابع القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية: “أقولها بملء الفم لن تنجح هذه العصابة في مسعاها أبداً، وستتوقف الحرب وسيختار الشعب السوداني السلام، وسيعيد ابناء وبنات هذا البلد بناء ما خربه القتال في النفوس وفي البنيان، وسيعود السودان ملكاً لشعبه ولن ينجح مسعى أحد في قتل ثورة ديسمبر، فهي لحظة نصر شعبنا الكبرى التي وضعت حداً فاصلاً ونهائياً لميراث الفساد والاستبداد”.
اصطفاف حراك الخارج
في ذات الاطار، دعا الثوار لتوحيد صورة البروفايل أو الملف الشخصي في “السوشيال ميديا”، وهو ما وجد استجابة سريعة وكبيرة.
وفي هذا الصدد، قال عضو لجان مقاومة جنوب كردفان فتحي الشيخ “من الواضح أن الضغط الأمني والإعلامي المكثف على الناشطين والفاعلين والمنظمات الثورية الداخلية، نشط بدوره الفعاليات والحراك الداعم للثورة في الخارج، فمعظم منصات السودانيين في دول الجوار وأوروبا والوطن العربي تفاعلت مع دعوات الدعم والمؤازرة”.
وأضاف: “لن يفلح النظام البائد وواجهاته في القضاء على ثورة ديسمبر، على رغم تداعيات الحرب التي تسببت في إيقاف الحراك الجماهيري، وفي ظل توجيه كل الصوت الداخلي نحو دعم الصراع المسلح، لكن كلما حانت الفرصة يؤكد الشباب أن جمرة الثورة مشتعلة وأنها ستنتصر في النهاية”.
وأوضح الشيخ أن “الضغط الأمني الداخلي من اعتقالات ومضايقات، ومختلف أنواع الاستهداف للقضاء على الثورة، لكن الحراك الخارجي يكافح من أجل انتصار الثورة”.
فعل ثوري رقمي
واعتبرت الباحثة والناشطة الاجتماعية سلمى بدر الدين أن “مميزات ثورة ديسمبر تجسد وعي الشباب السوداني واستعداده لحمايتها ومراقبة مسارها، إذ يرفعون أصواتهم ولافتات آرائهم إزاء كل حادثة أو قضية تمسهم أو تستنقص من حقوقهم”.
وأضافت : “بات من اللافت أن الصوت الإلكتروني الذي يأتي في خضم التحول الرقمي الصاخب، تحول إلى وقفات احتجاجية ومسيرات غاضبة أثبتت فعلها المؤثر ونجاحها في إحداث ضغط يتبعه تأثير فعلي كما هي الحال اسكات صوت عناصر النظام البائد عقب حادثة الفيديوهات موخراً، وأجبار الذين توعدوا الثورة على الاعتذار، وكانت بمثابة حملات استفتاء واعٍ تصدت بعنفوان للتنمر والدعوات الاستعلائية والانتقاص من الآخر”.
وأوضحت سلمى بدر الدين أن “الرأي العام الشبابي المعني بالمستقبل والتغيير والإصلاحات يجد الاستجابة، ويمثل وسيلة ضغط لأجل إنجاز مزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها”.
الثورة السودانية
بدأت الشرارة الأولى للثورة يوم 19 من ديسمبر (كانون الأول) 2018، في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل (شمال السودان)، منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية، ومطالبة بتوفير الخبز والوقود، وشكل يوم 25 ديسمبر علامة فارقة في الثورة الشعبية، ومع مجييء يوم السادس من أبريل (نيسان)، انتظمت احتجاجات بأحياء عدة في العاصمة الخرطوم، وشكل هذا الموكب انتقالة لموجة الاحتجاجات المستمرة، بعد أن قرر منظموه التوجه صوب قيادة الجيش لتسليم مذكرة تطالب بتنحي الرئيس البشير.
وتواصلت الاعتصامات أمام مقر قيادة أركان الجيش ليفاجئ وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف الشعب السوداني بإعلانه بياناً في 11 أبريل(نيسان) بثه التلفزيون الرسمي أكد فيه اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، وبدء فترة انتقالية لعامين، لكن سرعان ما أعلن تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد هذا الحراك بامتياز رفضه رئاسة ابن عوف للمجلس العسكري، ودعوته الشارع السوداني للمطالبة بتنحيه، وبالفعل استجاب لضغوط الشارع بإعلان استقالته وتعيين عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري، لتطيح الثورة بأطول نظام حكم في تاريخ البلاد دام مدة 30 عاماً.