بالنسبة ل محمد كندشة الناطق الرسمي باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام الذي لا يزال يقيم في منزله في حي الانقاذ جنوب الخرطوم وهي منطقة تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب بينها والجيش السوداني منذ ابريل 2023 بالنسبة له فإن البقاء على قيد الحياة هو إنجاز يحسب لصاحبه بالاضافة لغياب الأمن فان كندشة يسرد مجموعة من المشكلات المتعلقة بالحصول على الطعام وعلى الطاقة في ظل انقطاع خدمة التيار الكهربائي عن المنطقة يضاف لذلك مشاكل الحصول على المال عن طريق العمل مقروناً ذلك بأزمة السيولة في ظل انقطاع خدمة الاتصالات خصوصاً مع اعتماد الكل على الخدمات المصرفية الألكترونية.
اضطر الكثيرون من المواطنين ذوي الدخل المحدود البقاء في المنطقة التي اطلق عليها محدثي الذي اشترط عدم ذكر اسمه “حزام الموت” لكنه يضيف: نحن لا نملك خياراً غير البقاء هنا قبل ان يعود ليبرر اسباب اختياره لتسمية المنطقة بحزام الموت يكمل هنا من لم تقتله طلقة طائشة قد يموت بمقذوف طيران وقد تلحق به شظية عند سريره ومن نجا من كل ذلك لن ينجو من الموت بفعل الأمراض وغياب الرعاية الصحية واغلاق المستشفيات أبوابها .
ويشكو المقيمون في الخرطوم بتعدد مناطقها من تفاقم الأمراض في مدنها المختلفة وتحديداً الحميات فيما تنتهي تقارير من تبقوا من الكوادر الصحية هناك بان أسباب الوفاة حمى “الملاريا” مع تفشي الاسهالات والكوليرا لعدم وجود المياه الصالحة للاستخدام وتلوث تلك التي يستخدمها الناس .
أمس اعلنت “التكايا” التي توفر للناس هناك بعض الوجبات في جنوب الحزام عن توقفها عن العمل وبحسرة أعلن “كندشة” عن توقف مبادرة قدح النبي، ففي جنوب الحزام وذلك لعدم وجود مواد عينية لتجهيز الوجبات ولتوقف الدعم المالي من قبل الأفراد وهو ما كانت تقوم عليه المبادرة وغيرها من المبادرات
وتشمل منطقة جنوب الحزام التي تمتد في مساحات واسعة جنوب العاصمة الخرطوم ويسكنها آلاف الناس تشمل احياء الأزهري وعد حسين ومايو والانقاذ وجزء من احياء سوبا والسلمة والمنطقة المحيطة بالمدينة الرياضية التي تتخذها قوات الدعم السريع مقراً لقيادة عملياتها.. وكل المنطقة جنوب السوق المركزي أحد أكبر الأسواق في مدينة الخرطوم
ويقدم مستشفى بشائر الخدمات الطبية في المنطقة وإن كان ذلك بصفة غير منتظمة وقبل يومين أعلنت منظمة أطباء بلا حدود انسحابها من المستشفى ومن تقديم الدعم قبل ان تعلن عودتها ويعود ذلك لتعرض طاقم المستشفى لاعتداء مسلح من قبل منسوبين للدعم السريع . ويبدو تفلت الجنود المسلحين واعتداءاتهم على المواطنين القاعدة الثابتة بينما الاستثناء هو غياب هذا النوع من الافعال وهي اعتداءات تأتي بغرض السلب والنهب والتي قد تنتهي بأن يفقد مدني حياته بسبب موبايل يحمله في جيبه .
منذ طلقتها الأولى منتصف أبريل اطلق السودانيون على هذه الحرب حرب “الشفشفة” وهو المصطلح الذي يشير لاستخدام السلاح من أجل نهب ممتلكات الغير وهي الحرب التي دفع المدنيون فواتيرها من أرواحهم و من أموالهم و من ممتلكاتهم البسيطة وانتهت بمغادرتهم بيوتهم مطرودين وهو المصطلح الذي قد يشرح لك لماذا يفقد الناس أرواحهم في مناطق الحرب ويفسر في الوقت ذاته الأنفلات في منطقة جنوب الحزام.
بالعودة لتوصيف محدثي للمنطقة بحزام الموت فان الأمر يعود وبشكل رئيسي لتتبع ارقام الضحايا من المدنيين الذين سقطوا في طلعات جوية للقوات المسلحة السودانية وتحديداً في السوق المركزي . وبالطبع لا تنحصر عملية موت المدنيين بضربات جوية في السوق المركزي وحده وهي حالة هنا تشبه لحد كبير توجيه قوات الدعم السريع مدافع موتها نحو التجمعات الخاصة بالمواطنين في سوق صابرين أو ان توجه ذات المدافع نحو المستشفيات . وهو أمر هنا قد يجعل حزام الموت متجاوزاً جنوب الحزام لكل البلاد التي يتم فيها توزيع الموت بالتساوي على شعبها من قبل طرفي النزاع الذين يؤكدون من خلال تصرفاتهم ان حياة المدنيين تقع في قاع سلم اهتماماتهم .
يعود محدثي للقول إنه وبرغم ما يجري الآن فإن الناس يقاتلون وسط الحرب للاحتفاظ بحياتهم وهي معركة قد تكون اصعب من الحرب نفسها . عليك ان تستيقظ صباحاً وتتأكد من انك والقريبين حولك ما تزالوا على قيد الحياة ومن ثم تخوض معركة الحصول على الماء “الكهرباء ترف لا يمكنك ان تطلبه الآن.. الآن يبدأ الجدل اليومي حول كيفية الحصول على الطعام الطريق نحو السوق لم يعد آمناً وفي السوق يمكنك ان تشاهد مفارقات الأسعار وبالطبع مفارقات السلع المعروضة تجاوز أنك تعيش في ظل قوة القانون انت هنا تحت رحمة قانون القوة؛ القوة التي لا كابح لها . وكأنما يحاول حسم سؤالي ما الذي يجعلك هنا قبل إطلاقه . وهل وجدت طريقاً للمغادرة ولم اسلكه يا عزيزي في سودان الحرب المدنيون لا يملكون حتى ترف الخيارات كل ما تبقى لنا ان ندعو الله أن ينهي هذا العبث ان تتوقف الحرب عندها فقط سينتهي مسلسل اننا كمدنيين ضحاياها . ضحاياها العالقون في حزام الموت الملتف حول اعناقهم في الوقت ذاته.