على الرغم من مرور عام على الحرب، لا يزال آلاف التلاميذ والطلاب السودانيين يواجهون مصيراً مجهولاً على صعيد مستقبلهم الدراسي بعد أن زعزع الصراع المسلح أوضاع التعليم وعطل الدراسة في مرحلتي الأساس والثانوي.
ومنذ شهر مايو 2023، والمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة في الخرطوم وجميع أنحاء البلاد موصدة الأبواب بسبب اندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في الخامس عشر من أبريل من ذات العام.
ولم تحقق تجربة استئناف الدراسة في بعض المدن الآمنة التي لم تطلها الحرب مثل بورتسودان وعطبرة والقضارف النجاح المنتظر، في ظل غياب آلاف التلاميذ والطلاب، فضلاً عن توقف العملية التعليمية في (15) ولاية سودانية، علاوة على نزوح وتشرد آلاف الأسر برفقة الأبناء والبنات.
تأثير بالغ
يقول الخبير التربوي خالد الزين لـ (مشاوير) إن “توقف المدارس منذ أكثر من عام سيؤثر على الخطة التعليمية برمتها، وسيؤدي إذا استمر لفترة مقبلة إلى التأخر عن المنظومة العالمية وأن الجهات المسيرة للتعليم تنظر إليه نظرة مجتزأة دون تطبيق استراتيجية واضحة في التعامل مع شؤونه ومتطلباته، و ليست هناك خطة عمل أو برنامج في حالات مثل الحروب والكوارث.
وأضاف : تأهيل التلاميذ والطلاب نفسياً من أهم عوامل ضمان نجاحهم خصوصا أن الحرب نتجت منها معاناة نفسية وعدم استقرار في كل نواحي الحياة.
مقار للنازحين
ومع تصاعد وتيرة المعارك في الخرطوم فقد نزح الآلاف إلى الولايات الآمنة وتحولت المدارس إلى دور إيواء، ووفق إحصاء أجرته لجنة المعلمين السودانيين فقد تأكد أن نحو 1245 مدرسة أصبحت مقار سكن للفارين من جحيم القتال، منها 154 مدرسة في ولاية نهر النيل و53 في ولاية سنار و57 في ولاية كسلا و501 في ولاية الجزيرة و510 في ولاية النيل الأبيض.
أسوأ أزمة
وضع العاملين بالتعليم ليس أفضل من العام الدراسي فقد تعثرت عملية صرف رواتبهم التي تفاقمت ووصلت لعام كامل رغم أنهم يعولون أسراً عديدة.
في السياق، اعتبر الناطق الرسمي باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر عبدالباقي أن “التعليم في السودان يمر بأسوأ أزمة في تاريخه طالت كل محاور العملية التعليمية، بدءاً من التلميذ والطالب في مرحلتي الأساس والثانوي، إذ ظل الآلاف بعيدين عن حجرات الدراسة لأكثر من عام، وهذا واقع يلقي بظلاله عليهم و يتسبب في ارتدادهم إلى الأمية، فضلاً عن أزمة تراكم الدفعات التي بلغت أكثر من مليون طالب، علاوة على تأثير الغياب الطويل عن المدارس وهو ما يقود إلى تزايد معدلات التسرب نتيجة لتوقف الدراسة.
وأضاف عبد الباقي في حديثه لـ (مشاوير) أن العاملين بالتعليم لم يتقاضوا مرتباتهم لعام، إلى جانب مآسي النزوح والتشرد وانعكاس هذه الظروف على وضعهم الاقتصادي والاجتماعي الأمر الذي جعل كثيرا منهم يتجه إلى مهن بديلة وأخرى هامشية بعد فقدان مصادر الدخل الرئيسية . وتابع : في المدارس الحكومية ما لا يقل عن 350 ألفاً من معلم لعامل فقدوا أجورهم، و175 آخرين من المدارس الخاصة لقوا نفس المصير.
وعن وضع المدارس في الوقت الحالي، أشار الناطق الرسمي باسم لجنة المعلمين إلى أن غالبيتها تحولت إلى دور لإيواء للنازحين، وهناك بعض منها تعرضت للقصف في مناطق الصراع المسلح، وأخرى باتت سكنات عسكرية لقوات “الدعم السريع” خاصة في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، وفي بعض المدن تحولت دور التعليم إلى معتقلات.
يتابع عبدالباقي : “حتى حال توقفت الحرب وخروج النازحين من المدارس فإنها تحتاج إلى إعادة تأهيل بمبالغ مالية لا تقل كلفة عن موازنة بنائها من جديد.
أوضاع طلاب الشهادة الثانوية
وعلى الجانب الآخر، يعيش طلاب الشهادة الثانوية حالاً من اليأس والقلق بعد تأجيل الامتحانات عن موعدها مرتين خلال هذا العام.
يتحسر الطالب محمد عمر على الفترة التي أمضاها في الدراسة منذ بداية السنة والمجهود الذي بذله بعد سهر الليالي في مذاكرة واجباته وصار جاهزاً للجلوس للامتحان.
وعبر مساعد عن حزنه لما وصلت إليه الأوضاع في العاصمة الخرطوم بسبب المعارك الحربية التي حرمته من بلوغ حلمه.
وعن خطته في شأن مستقبله الدراسي قال عمر لـ (مشاوير) : لست متأكداً من أنني سأتمكن من الجلوس للامتحانات في حال إعلانها خلال الفترة المقبلة، وضعي النفسي سيئ للغاية وفقدت الرغبة في كل شييء.
ويجسد محمد عمر واقع أكثر من 500 ألف طالب وطالبة تأهبوا بالفعل للتنافس في امتحانات الشهادة الثانوية التي كان مقرراً لها الـ 10 من يونيو 2023، لكن نيران الحرب بددت أحلامهم وتقطعت بهم السبل بين نازحين ولاجئين دخل البلاد وخارجها.