(١)
يدعي انصار طرفي الحرب وداعمي استمرارها، تحت مزاعم القضاء على المليشيا الارهابية ، او تحت مزاعم تدمير دولة ٥٦ والانتصار للهامش وجلب ديمقراطية الجنجويد الوهمية لشعب السودان، أنهما يعملان لمصلحة شعبنا. وعندما نقول ان الطرفين مجرمين وهما أعداء للسودان وشعبه، نحن بالطبع لا نطلق القول على عواهنه بل لدينا الأدلة الكاملة لدمغ المجرمين بجرائمهم لا فقط لتصنيفهم بل ولادانتهم بها مستقبلا بإذن الله.
فلا احد منهما (وبالتحديد من قيادتيهما) يستطيع أن يهرب من حقيقة قيامهما معا في أبريل 2019م بإنقلاب القصر وقطع الطريق أمام ثورة الشعب ، ولا من المسئولية عن مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، ولا من المسئولية عن إنقلاب أكتوبر 2021م ، ولا عن جرائم قتل المتظاهرين السلميين طوال فترة شبه المدنية، ولا من جرائم غيرها يضيق المقام عن ذكرها. كل ذلك سبق الحرب المدمرة الراهنة، وهي وحدها تكفي لتأكيد أنهما معا اعداء لشعبنا العظيم.
فجرائم ما قبل الحرب ذات البعد السياسي الواضح الذي اتسمت به الانقلابات التي تشكل تقويضا للنظام الدستوري عقوبته تصل إلى الإعدام ، وتمردا بموجب قانون القوات المسلحة عقوبته تصل إلى الإعدام أيضاً، قامت على محاولة لحماية التمكين ونهب موارد البلاد الاقتصادية وإفقار المواطنين وتدمير المؤسسات الاقتصادية، والسيطرة على الاقتصاد وخلق اقتصاد موازي، ابتلع كامل ميزانية الدولة ، وقنن التهريب للذهب ، وشرعن بيع منتجاتنا بتراب الفلوس للخارج.
(٢)
لم يكتف الطرفان بالسيطرة على الاقتصاد والإفقار ، وسرقة سلطة الشعب ومنعه من الانتقال من دولة التمكين الاسلامية إلى دولة كل المواطنين، بل تماديا بإشعال هذه الحرب اللعينة في إطار صراع الهيمنة على السلطة والانفراد بها، لحماية مكتسباتهما الحرام. فقاما معا بتدمير البنية التحتية عبر القصف المتبادل والتدوين، وارتكبا معا جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، وشردا (خصوصا المليشيا الأرهابية ) ملايين المواطنين، ونهبوا ممتلكاتهم. صحيح أن للمليشيا الارهابية نصيب الأسد في ذلك، ولكن الجيش المختطف والمليشيات الاسلامية التابعة له ليسوا بريئين من ذلك. فمقابل الابادة الجماعية للمساليت ومجازر الجزيرة وشرق الجزيرة التي ارتكبتها مليشيا الجنجويد الارهابية، تأتي جرائم الإعدام الجماعي في حلفاية الملوك وفي سنجة، المحسوبة على الجيش المختطف والمليشيات الاسلامية التابعة له. ومقابل القصف العشوائي للمواطنين ومنازلهم وحتى البصات التي يستقلها المدنيون، في نيالا والحصاحيصا وريفي جبل أولياء التي ارتكبها طيران الجيش المختطف، يأتي التدوين العشوائي والمسيرات الانتحارية التي توجهها المليشيا الأرهابية للمواطنين العزل، هذا في حال ثبت ان المسيرات تخصها وليست حربا داخلية بين الإسلاميين. كذلك قام الطرفان بخنق المواطنين ، وبناء دولة بوليسية شمولية كلا في مناطق سيطرته. فالمليشيا الارهابية تقوم بتهجير المواطنين بعد نهبهم، وتمنع من يبقى في مناطق سيطرتها من العيش بسلام وتذله حتى مستوى التجويع، والابتزاز المالي ليسمح له بمغادرة الجحيم، والجيش المختطف يخون كل من يقول لا للحرب، ويعاقب المواطنين وفقا لقانون الوجوه الغريبة، ويحاكم الناشطين بالإعدام عبر محاكمه المسيسة بدعاوى معاونة المليشيا الارهابية، ويطلق يد الفاسدين داخل اجهزته الأمنية لترويع المواطنين بل ومحاولة قتلهم، مثلما حدث من اختطاف للمحامية النابهة بمدينة مروي.
(٣)
ويزيد الطرفان حشفا وسوء كيلا للمواطن، بطريقة ادارتهما للحرب نفسها على حساب المواطن. فالتجربة اثبتت ان نموذج الحرب يقوم على اقتراب المليشيا الارهابية من منطقة ما، فيهرب الجيش المختطف تحت دعاوى الانسحاب التكتيكي دون سابق إنذار ، ويترك المواطن تحت رحمة هذه المليشيا العريقة في الإجرام، لتقتله وتنهبه وتهجره من دياره في نهاية المطاف. بعد مدة تطول يبقى فيها المواطن المغلوب على أمره تحت رحمة المليشيا الارهابية، بحيث تتوقف حياته تماما على ما تريده منه، ولا يجد مناصا ليعيش من ان يتعامل لا يتعاون معها، يأتي الجيش المختطف والمليشيات الاسلامية التابعة له، فيستعيدون المنطقة ، وأول ما يقومون به بدلا من تعميرها، هو اتهام المواطنين الذين مكثوا زمنا طويلا تحت احتلال الارهاب، بالتعاون مع المليشيا الأرهابية ليبدأوا بتصفية من يريدون دون محاكمة وخارج نطاق القانون، والأسافير مليئة بالفيديوهات المحزنة حقاً. وإذا عادت المليشيا الارهابية للمكان مجدداً ، تبدأ بتصفية من احتفل بعودة الجيش المختطف ومن تعامل معه ايضاً. والمواطن لا يعرف ماذا يفعل مع هذين العدوين، فهو اعزل وليعيش لابد له من التعامل مع سلطة الأمر الواقع المسلحة التي تتعامل معه كعدو، وتعامله معها يجلب له الدمار في حال تبدلت بغيرها في اي لحظة. فأي حلقة شريرة يخلقها هذان العدوان له؟!
انه رهينة لقوتين غاشمتين لا ترعيان له إلا ولا ذمة، وتعذبانه من اجل سلطة من المستحيل تثبيت اقدامها، وتحاسبانه على ثورته ضد الظلم ودولة التمكين.
(٤)
عداء طرفي الحرب للمواطن السوداني ولشعب السودان ليس طارئا او بسبب الحرب، فهو أصيل يجد أساسه في الطبيعة الاجتماعية للقوى التي يمثلها كلا من الطرفين. فكلاهما ينحدران من فئات للرأسمالية الطفيلية غير المنتجة المتحاربة على السلطة ، والتي تسيطر على الفائض الاقتصادي عبر واجهات الجيش المختطف وجهاز أمن الإنقاذ واخيراً الجنجويد، عبر شركاتهم التي تعمل في قطاع الصادر والوارد، ومصارفهم التجارية، والتجارة غير المشروعة في العملة، وتهريب الذهب والمنتجات الزراعية والحيوانية، في اطار ارتباطات اقليمية ودولية تتقاطع أحيانا وتتباين احيانا اخرى. وهذه الطبيعة الاجتماعية الاستغلالية، تضع الطرفين في مواجهة مباشرة مع شعب السودان، لأنها تكرس مصالح – ضد مصالح المواطنين، – لشرائح وفئات تنهب مواردهم وفائضهم الاقتصادي لمصلحة مجموعات صغيرة استشرت في اطار التمكين. ولسنا بالطبع في حاجة للقول بأن كل أمة تتكون من شعب وأعداء لهذا الشعب، حيث تتعارض مصالح الشعب مع مصالح اعدائه، وفقا لشروط الانقسام الاجتماعي في كل وطن.
فالرابط بين الشخص ووطنه ليس الأوراق الثبوتية التي تثبت الانتماء، بل المصالح التي تحدد هل مصالح الشخص تتماثل وتتطابق مع مصالح مجموع الشعب، أم مع مصالح فئة محدودة تستغله وتبيع جهده للخارج ولمصلحتها. فالفئات المتحاربة الان هي عدوة لشعب السودان لأن مصالحها ضد مصالحه والحرب اثبتت ذلك خلف مرحلة الشك المعقول، وهي نفس الفئات التي استغلته ونهبته منذ انقلاب الجبهة الاسلامية في العام 1989م ومازالت تفعل ولن تتوقف من نفسها. لذلك المطلوب هو مواصلة ثورة ديسمبر المجيدة وفقا لشعاراتها ومشروعها المحق، لكنس الطرفين من المعادلة السياسية بصفتهما معا اعداء للشعب السوداني، الذي لا نشك لحظة في قدرته التامة على القذف بهما إلى مزبلة التاريخ وتحقيق اهداف ثورته.
(*) كاتب وباحث وقانوني