تقارير

قراءة في تداعيات العقوبات الأمريكية على البرهان

باريس - محمد عيسى جقدول 

المتابع للمشهد السوداني يرى بجلاء تصاعد الأحداث في الآونة الأخيرة، والتغيرات الدراماتيكية على مستوى المعارك، فضلاً عن خفوت دور قوات الدعم السريع وتهاوي مُدن وقرى وبؤر حيوية كانت تسيطر عليها.

بالتأكيد ثمة الكثير من الجرائر التي ارتكبتها القوات المسلحة وهي انتهاكات وجدت شجباً دولياً، وفي خطوة تعكس تصاعد الضغط الدولي على أطراف النزاع السوداني، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وقد جاءت هذه العقوبات في سياق اتهامات متعددة، حيث إن البرهان اختار تكتيكات عسكرية أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، بدلاً من المفاوضات التي كان يمكن أن تحقق الاستقرار.

دعونا نستقرأ السياقات المحتملة لهذه العقوبات على مجريات الأحداث الراهنة، لاسيما أن الصراع في مجمله ينزلق نحو حرب أهلية شاملة، في ظل تصاعد خطاب الكراهية، والدعوات التي يستمرؤها بعض قادة التيار الإسلامي، الذي يدير مشهد الحرب من خلف الكواليس.

 العقوبات وتأثيرها في سياق الصراع

العقوبات الأمريكية اتسمت بتأثيرها المباشر على مسار الصراع، إذ إنها تستهدف ليس فقط البرهان شخصياً، وإنما أيضاً القدرات العسكرية للجيش السودان، كما شملت العقوبات حظراً على توريد الأسلحة، مستهدفة جهات دولية، مثل شخص يحمل الجنسيتين السودانية والأوكرانية، بالإضافة إلى شركة مقرها هونغ كونغ، ومن هذا المنطلق، فإن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى إضعاف الجيش السوداني لوجستياً، مما يجعل الموقف العسكري للبرهان أكثر تعقيداً.

السياق الإنساني وتداعيات الصراع على المدنيين

على الصعيد الإنساني والمدني، تتضح الآثار الكارثية لهذا الصراع الذي اندلع منذ أبريل 2023، حيث إن الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع أودت بحياة عشرات الآلاف، وأجبرت ملايين السودانيين على النزوح من ديارهم، ومع استمرار الحصار المفروض على المدنيين، وخاصة في الخرطوم ودارفور، تواجه البلاد نقصاً حاداً في الغذاء والدواء، هذا بحسب تقارير دولية، وعليه فإن العقوبات قد تزيد تعقيد الأوضاع الإنسانية، حيث إنها تؤثر بشكل غير مباشر على تدفق المساعدات الدولية.

 العقوبات في سياق المشهد السياسي

وعلى المستوى السياسي، يبدو أن العقوبات تمثل رسالة أمريكية واضحة، حيث إن المجتمع الدولي يرفض استمرار الحلول العسكرية التي اعتمد عليها البرهان وحميدتي.

وحري بنا هنا أن نذكر بأن الولايات المتحدة كانت قد فرضت في وقت سابق عقوبات مشابهة على قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، متهمة إياه وقواته بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المدنيين، ولذلك فإننا نعتقد أن العقوبات الأمريكية على البرهان جاءت في سياق خلق عملية توازن من واشنطن لتوجيه ضغط على كلا الطرفين، وربما تهيئة المشهد لاحقا لفتح نافذة لمفاوضات في المستقبل القريب.

أما فيما يتعلق بالتداعيات على المعارك، فيُتوقع أن تؤدي هذه العقوبات إلى تقليص قدرة الجيش السوداني على الحصول على الأسلحة والعتاد، حيث إن القيود المفروضة على الموردين الدوليين ستؤثر على الإمدادات العسكرية، وربما يؤدي ذلك إلى تغيير ديناميكيات الصراع، إذ قد يضطر البرهان إلى البحث عن بدائل عسكرية أو سياسية، مما قد يفتح الباب أمام مفاوضات محتملة، وربما الاحتمال الأخير أي المفاوضات هو الخيار الأنسب، وهو ما يعزز دور واشطن التي تسعى إلى تكليل نهاية حكم بايدن بفتح طريق واضح لعملية تفاوض في السودان. 

ومما لا شك فيه فإن الوضع لا يخلو من التحديات، حيث إن العقوبات قد تأتي بارتدادات غير متوقعة، فعلى الرغم من أن العقوبات تهدف إلى الضغط على أطراف النزاع، قد تؤدي أيضاً إلى زيادة تصلب المواقف بين الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة أن كلا الطرفين يسعى لتحقيق مكاسب ميدانية لتعزيز مواقفه التفاوضية، وهو ما يقودنا إلى استنتاج منطقي يترتب على المجتمع الدولي، إذ عليه انتهاج طُرق أخرى مثل تقديم عروض سياسية متوازنة تُحث وتشجع الطرفين على الانخراط في تفاهمات ومشاورات تنهي دائرة الاقتتال الجاري.

الحل الدبلوماسي في سياق المشهد

في هذا السياق، تبرز أهمية الحلول الدبلوماسية الإقليمية والدولية التي يجب أن تتسم بالشمولية، وأن تسعى بشكل دقيق إلى توصيف المُشكل السوداني، وتُعْمِل أدواتها في جمع البرهان وحميدتي على طاولة واحدة، وربما يمثل تدخل أطراف إقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، عاملاً مساعداً في تقريب وجهات النظر، كذلك، فإن الدور الأممي لا بد أن يكون أكثر تأثيراً من خلال تعزيز مبادرات الوساطة ودعم الجهود الإنسانية.

في الختام فإن العقوبات الأمريكية على البرهان تسلط الضوء على الأثر المتزايد للصراع السوداني على المستويين المحلي والإقليمي، وربما تمثل هذه الإجراءات خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث إن الأطراف المتورطة في النزاع بحاجة إلى إدراك أن الحل العسكري لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار. وبالتالي، فإن العودة إلى طاولة المفاوضات هي الخيار الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في السودان.

وربما على السودانيين ان يستدركوا أمرهم، قبل أن ينفرط العقد الاجتماعي بكليته، ونُذر هذا الأمر تتبدى بشكل جلي في سياق تصاعد الأحداث الدموية الاخيرة، وعليه فإن العودة إلى النظر في أثر الحرب المُدمر للنسيج الاجتماعي والعمل على تفادي الانحدار، سيجنب تفكك السودان في المستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى