لطالما أسري عن نفسي بذكرى دوري أبطال أفريقيا للعام 2004 والتي شهدت آخر خروج لفريق القرن “الأهلي المصري” من دور الـ 32 ، حيث كان ذلك لمصلحة فريق الهلال السوداني.
في تلك المباراة حقق الهلال انتصارا تاريخيا على الأهلي في عقر داره بالقاهرة كأول خسارة للفريق المصري خلال عام كامل منذ تولي مدربه الثعلب “مانويل جوزيه” دفة الفريق. لا زلت كمشجع مطبوع، أتغنى بهذا الإنتصار ؛ بأن جعل للهلال علو كعب على فريق القرن بتفوقه عليه في دياره مقابل عجز الأهلي أن يحقق أي انتصار طوال تاريخه على الهلال في أم درمان.
وليس أجمل من هذا الإنتصار إلا أنه كان قد جاء بأقدام اللاعب السوداني حينها “ريتشارد جاستن” ليهدي لنا سجلا نفاخر به حتى يومنا هذا.
وإن فعلها ريتشارد فقد فعل مثلها أخ له من قبل ، كان ذلك “جيمس جوزيف” في العام 2001 وهو يحرز الهدف الوحيد للمنتخب السوداني في شباك نجوم غانا في تصفيات كأس العام 2002.
وها أنا الآن وبعد زهاء عشرين عاما ، وفي سياق التنافس الافريقي للوصول لنهائيات كأس العالم (الولايات المتحدة _كندا 2026). أجد نفسي اليوم “بأمر الساسة” متجاذبا وأنا أترقب انطلاق صافرة مباراة منتخب السودان وجنوب السودان في تصفيات كأس العالم 2026 ، والتي ربما أجد فيها ريتشارد جاستن يجلس برفقة أتير توماس وجيمي ناتالي قدامى فريقي القمة “الهلال والمريخ” على دكة الإدارة الفنية لمنتخب جنوب السودان في مواجهة زملائهم فيصل العجب ومجاهد محمد أحمد في الدكة الفنية لمنتخب السودان. لتكون فصلا جديدا لمواجهة “ناعمة” هذه المرة بين أبناء الوطن الواحد.
مباراة جديرة بالمشاهدة من مدرجات استاد جوبا الدولي وبحضور جياني إنفانتينو، وحفل افتتاح ملعب جوبا الوطني الذي تم تجديده بتمويل من الاتحاد الدولي لكرة القدم والذي سيستضيف مباراة تاريخية تجمع الشقيقين منتخب جنوب السودان و ضيفه السودان يوم 11 يونيو 2024 ضمن مباريات المجموعة الثانية في تصفيات كأس العالم 2026.
يذكر أن هذه المباراة هي أول مباراة رسمية بين المنتخبين بعد انفصال جنوب السودان عام 2011.
ليست مباراة في كرة القدم فحسب ، إنها كلاسيكو الذاكرة السودانية الجريحة ، وديربي النوستالجيا الحزين. حيث استمرت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب زهاء نصف قرن من الزمان ، بعدها أعلنت نتيجة الاستفتاء في 7 فبراير 2011 وكانت نتيجتها موافقة أغلبية المصوتين على الانفصال عن السودان الموحد. وقد أعلن عن الانفصال رسميّاً في 9 يوليو 2011 في حفل كبير في عاصمة الجنوب جوبا بحضور الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس جنوب السودان سيلفا كير وعدد من زعماء الدول. بعد اتفاق سلام شهدته نيفاشا ضاحية صغيرة بالقرب من العاصمة الكينية نيروبي ، بين سلطة النظام السابق والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق ديمابيور.
ليست أول مباراة رسمية بينهما، سبق وأن تقابلا في بطولة دول شرق ووسط أفريقيا في إثيوبيا قبل عدة سنوات وتعادلا في الوقت الرسمي وفاز منتخب الجنوب بركلات الترجيح ، بينما التقت أندية الدولتين في بطولات الكاف للأندية الابطال والكونفدرالية عدة مرات، والتقى منتخبا الشباب في بطولة سيكافا التي أقيمت بالخرطوم قبل عامين.
وبحكم حرب أبريل ٢٠٢٣ في شمال السودان ، نزح عشرات الآلاف صوب مدن جنوب السودان ، مما يشير إلى أن المباراة ستشهد حضورا جماهيريا غفيرا، وربما شهدت أيضا خليطا من المشاعر المتجاذبة والهتافات المنادية بعودة الروح لجسد الوطن الكبير ، فقد حدثني الموسيقار السوداني الذي نزح لجنوب السودان عماد ببو وهو في طريقه إلى كمبالا ، بأن لديه إلتزاما مع فرقة وارياب للفنون والموسيقى الجنوب سودانية لتقديم حفل افتتاح أستاد جوبا ، والمباراة المرتقبة.
(*) شاعر وصحفي