علمانية الدولة السودانية شرط ضرورة لبناء وطن يسع كل السودانيين داخل دولة مدنية مؤسسة على قوانين تضمن سيادة العدالة والمواطنة المتساوية. ومن حق الشعوب التي لاتدين بالاسلام داخل دولة غير علمانية، او الشعوب التي لاترى في الدولة المركزية مايعبر عن ثقافاتها او تلمس أى نوع من الظلم الصادر عن الدولة المركزية، أن تطالب بحق تقرير المصير وهو حق تكفله المواثيق والقوانين الدولية، فالوحدة الحقيقية لاتنبني على القهر والظلم والتهميش والاستغلال. ورغم ذلك يظل العمل الصادق من أجل سودان موحد، مدني ، علماني ، هو الطريق الأكثر نبلا ، بكل مايحتاجه من صبر ومايحفه من رهق ومعاناة.
ثمة ملاحظات وحقائق: تحفظ حزب الأمة والتجمع الاتحادي على علمانية الدولة السودانية الوارد فى بند الإعلان [ الاتفاق] ينسجم مع تاريخهما السياسى والفكري ، ولايدعو للدهشة..مايدعو للدهشة هو كونهما أعضاء فى جسم تقدم-قحت وهما عضوين فاعلين فيه، وبهذه الصفة التقت الحركة الشعبية بالسيد عبدالله حمدوك موقع الإعلان [ الاتفاق] والتقت به حركة تحرير السودان فقط بصفة رئيس الوزراء السابق وهذا موقف جيد. الإعلان [ الإتفاق ] ينص في أحد بنوده على علمانية الدولة. رفض التجمع الإتحادي وحزب الأمة لبند علمانية الدولة أمر مربك للمتلقي، فإذا كانت الحركة الشعبية التقت بالسيد حمدوك بصفته رئيس تقدم-قحت، يكون رأي التجمع الإتحادي وحزب الأمة محيرا بالفعل. مسارعة حمدوك في عقد هذين اللقائين تشى بطموحه في الأنفراد بالقرار السياسي والتصرف كرئيس مطلق بعيدا عن تنظيم تقدم-قحت الهش ذو المستقبل السياسي المظلم.هذا هو مايبحث عنه الرجل بكل وضوح.
فى نفس الوقت، فإن صفة رئيس الوزراء السابق ليس لها أي مدلول سياسي يخول لأي جهة كانت الاتفاق مع حمدوك لعقد اتفاق [ اعلان] من شأنه تشكيل المشهد السياسي فى المستقبل، و لاتعطي لهكذا اعلان [ إتفاق] أي ثقل سياسي.. فالرجل قام بتقديم إستقالته، كما ان تقدم-قحت ليست ذات شرعية تخول لها ذلك، فهى جسم تحت التأسيس ولم تعقد مؤتمرها التأسيسي بعد، ولاتعبر عن الشعب السوداني بوضعها التنظيمي الحالي ، ناهيك عن تحفظات بعض أعضائها حول طريقة عملها فيما يشبه الانشقاق ( حزب الأمة) إضافة لعدم اعتراف حركة تحرير السودان بها.
تعامل الحركة الشعبية مع تقدم-قحت ( لم تذكر الحركة الشعبية صفة أخرى للسيد حمدوك) وابرامها اتفاقا معها يعطيها شرعية لاتملكها وتنفخ الروح في شخصية عبدالله حمدوك السياسية المتهالكة بإطراد، وهو الذي تتهمه قطاعات واسعة من الشعب السوداني بالعمالة لدولة الأمارات وهو المتهم بالمشاركة مع بعض النافذين في قحت في انقلاب البرهان حميدتي ( حسب عدة تصريحات من حميدتي لم يتم نفيها حتى اللحظة).
بهذا، يصبح إعلان [ إتفاق] نيروبي اتفاقا لايضيف شيئا ذا بال في اي اتجاه سياسي واضح، او ذا مردود صفري نحو التغيير والانتقال لدولة القوانين المدنية المرجوة.
مواقف وتقاطعات حركتي الحلو وعبدالواحد التاريخية ليست مجالا للمزايدة والتشكيك، وذلك منذ تأسيسهما، ونقد اي خطوة سياسية لهما لاتصب الا في خانة الحرص على إرثهما السياسي عالي القيمة. الخطأ في العمل السياسي يظل وارادا وشاخصا. الأصح – من وجهة نظر شخصية – هو تحرك الحركتين نحو توحيد قوى الثورة الحقيقية، الممثلة في قوى التغيير الجذري ، كما أعلنت حركة تحرير السودان في بيان لها مؤخرا، وظل ذلك هو ديدن الحركة الشعبية/ شمال والذي أكدته في لقاءاتها المتعددة بكل القوى السياسية (مع الإختلاف النوعي فى اللقاء بحمدوك بواسطة الحركتين) توحيد قوى الثورة الحقيقية [ قوى التغيير الجذري ] هو الطريق الاقصر والأكثر ضمانا نحو سودان علماني مدني ديموقراطي.
(*) كاتب سوداني
.