هاشم صديق “جواب للبلد ” على ظهر عربة (كارو) – تقرير – الزين عثمان
في ستينات القرن الماضي كان”الترام” يشق أمدرمان نازلاً من أعالى أبروف وقتها لم يدر بخلد الشاعر غير الأحلام والامنيات , كانت الأرض تغني باسم اكتوبر الأخضر و الحقول اشتعلت بالوعد والقمح والتمني كيف لا يحدث ذلك و الشعب أنتصر وحائط السجن أنكسر
يومها حتى خيال الشعر الذي أرتاد الثريا لم يجعل صاحب أغنية اضحكي يتخيل انه وبعد ستون عاماً سيمضي في الشوارع الامدرمانية محمولاً على ظهر “كارو” يجرها حصان بعد أن حرق “الهولاكيين” الجدد كل شيء في حرب لم يصدق فيها شيء مثل صدق توصيفها بأنها عبثية غادر اثرها شاعر الثورة السودانية هاشم صديق منزله في منطقة بانت شرق أمدرمان الى مكان أخر هرباً من الموت والحرب وبحثاً عن الأمان في مكان أخر
كان على كاتب “الملحمة” وهي اوبريت غنائي يجسد انتصار انتفاضة الشعب ضد اول حكم عسكري في البلاد ستينات القرن الماضي ان يخوض ملحمته الأخرى من أجل الحياة وهو الذي سبق وأن كتب “حاجة فيك” زي نقر الاصابع لما ترتاح للموسيقي وذلك زمان قبل ان تدوس ذات الأصابع على الزناد فتحول الحياة في امدرمان لواقع أخر واقع لم يتعاده الشاعر والمؤلف المسرحي ومقدم برنامج سينما 90 في تلفزيون السودان بموسيقاه التي الفها السودانيون مثلها ورائعته التي يتغنى بها الفنان ابوعركي البخيت “اضحكي” تضحك الكهارب في الشوارع انكسر سور الموانع
بعد رحلة مرهقة وصل هاشم الثورة الحي الأمدرماني الاخر هنا حيث عاش قبل الحرب شاعر اخر اسمه محجوب شريف الذي لم يكتفي بالغناء ضد الحرب وانما زاد عليه نحنا بنحب شاي الصباح والزوجة والأم الحنون في بيت هناكصلى هاشم صبح الخلاص حاضر وكان حاضر السودانية حين تحدث عن رحلة الأهوال وشكر “الحصان” الذي كان حفياً به أكثر ممن يبعثون بموتهم الى حيث يجلس المدنيين يحتضنون بيوتهم وذكرياتهم بصوت مبحوح كان يشكر من استضافوه وهو يردد “ياهو ده السودان” وهو ينظر وقتها للخروف قبل ذبحه كرامة وسلامة لأجل هاشم
حسناً ان يتم إجلاء صاحب “الملحمة” بعربة يجرها حصان أمر مثير للأسى ويعيد تفاصيل الجدل حول المألات الكارثية للحرب لكن بالنسبة لمن ساهموا في اجلائه من مكانه فأن امر عربة الكارو كان الخيار الوحيد المتاح بعد تحول المنطقة المجاورة لسلاح المهندسين لمنطقة مواجهات عسكرية بين قوات الجيش والدعم السريع صار من المستحيل الحصول على سيارة يمكنها ان تساهم في عملية الإجلاء وبعد طول انتظار خرج الشاعر عبر هذه العربة نتيجة مجهودات من هم حوله الذين أشاروا في نهاية المطاف لمغادرة الشاعر لمكان أمن وإمكانية استمراره في رحلة العلاج والحصول على الادوية وبالطبع مواصلة الأحلام الخاصة بإعادة طباعة دواوينه الشعرية ومن ثمة كتابة جواب أخير للبلد التي تمضي بخطى متسارعة نحو التلاشي جواب للبقعة امدرمان العاجزة ولأول مرة من الاحتفاء بميلاد المصطفي لانشغال شوارعها بحركة الموت يخنقه ساعتها السؤال هل في زمن الحرب يمكنه ان يبعد الهم بالكتابة وينصر الفقراء والغلابة ويدفن همة في الموسيقى في بلادا لم يعد مسموع فيها غير صوت دوي المدافع والقنابل.
جواب سيكتب فيه العبارة “لازم تقيق ثم يمضي ليوقع عليه اسمي هاشم أمي أمنة ابوي ميت وكان خضرجي بايع خضار مرة صاحب قهوة في ركن الوزارة.”