مؤشرات حول التسخين والتهدئة.. أين يقف طرفا الحرب؟

 د. أحمد عثمان عمر (*)

(١)

يعتقد الكثيرون أن طرفي الحرب، قد عقدا العزم على عدم التوصل إلى تسوية للحرب، وعلى الاستمرار فيها حتى التمكن من حسمها عسكرياً. وهذا الاعتقاد يغذيه رفع السقوف المستمر، الذي تمارسه بعض مكونات الطرفين إعلامياً، للإيهام بأنهما في حالة استماتة شاملة لتحقيق نصر عسكري حاسم وسريع، برغم هدوء جبهات القتال نسبياً بمستوى يشي باقتناع الطرفين بأنهما غير قادرين على تحقيق هذا النصر المزعوم، وعلمهما بأن حراكهما لا يتجاوز حالة كونه محاولة لتحسين وضعهما التفاوضي ليس إلا. فهما مازالا في خارطة صراع قائمة على توازن الضعف، وممارسات تملي بعضها محاولات الكيد ومقتضيات الفجور في الخصومة ونشر الكراهية، لبناء واقع جديد يظن البعض أنه مستدام. لذلك قراءة المشهد السياسي، تستدعي تأني يفكك تعقيداته، ويسمح بإستنتاجات اقرب لحقيقة ما يتم مما هو معلن من الطرفين. 

(٢) 

من اهم مؤشرات طبيعة الحراك السياسي الراهن، ما رشح عن وجود مبادرة تركية للوساطة بين حكومة الأمر الواقع غير الشرعية سليلة الانقلاب العسكري، ودولة الإمارات العربية المتحدة ومليشيا الجنجويد الارهابية، لتطبيع العلاقات وإيقاف الحرب. وتأتي هذه المبادرة، في ظل دور فاعل تلعبه تركيا في المنطقة، يشارك في اعادة ترتيب الأوراق وصياغة واقع جديد، أهم معالمه سقوط نظام الأسد في سوريا، الذي فعل من الدور التركي في اعادة رسم الخرائط السياسية. وموقف طرفي الحرب من المبادرة. ففي حين رحبت الحكومة غير الشرعية بها، مررت رفضها العملي عبر ما يدور من تصريحات لمليشيا البراء المجرمة الاسلامية رفضها لأي تفاوض وتمسكها بالحرب حتى تحقيق النصر. في المقابل، ينسب موقف للمليشيا الارهابية يؤكد رفضها لأي تفاوض قبل تنفيذ شرط أساسي هو القبض على المطلوبين من العدالة الدولية، وهم قيادات نظام المخلوع البشير والحركة الإسلامية المجرمة. وهذا يعني عمليا رفض أي تفاوض، لأن حكومة الجيش المختطف، لا يمكن ان تلقي القبض على مختطفيها. 

(٣) 

في هذا السياق، نستطيع ان نفهم الضغط الدولي على المليشيا الارهابية هذه الأيام. فبعد نشر بعض الصحف الأمريكية لفظائع ارتكبتها المليشيا الارهابية تم توثيقها، جاء دور الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات على قائدها بشكل مباشر، وتأكيد ان المليشيا الارهابية قد ارتكبت إبادة جماعية، وهي خطوة تعطي الإدارة الأميركية الجديدة سلطة واسعة في استخدام أدوات الضغط ورفع العصا، وتحرجها في حال عدم تصعيد الضغوط على الجنجويد. وفيه ايضاً تأتي خطوات المليشيا الأرهابية المعلنة والتي تتم عبر واجهات، لخلق واقع جديد يحسن وضعها في الخارطة السياسية، مثل تشجيعها سرا قيام حكومة موازية لحكومة الأمر الواقع من بعض حلفائها ، وتسريب أنها رافضة لتلك الحكومة لتوسيع دائرة المناورة لمن يعملون على تأسيسها. كذلك رفضت المليشيا الارهابية تغيير العملة غير الشرعي الذي قامت به حكومة الأمر الواقع غير الشرعية، وسربت لبعض الوسائط الصحفية أنها بدأت صرف مرتبات عناصرها بالدولار الأمريكي، مع منع تداول العملة الجديدة في مناطق سيطرتها التي تشكل 70%. من أراضي البلاد. وفي المقابل، تحاول حكومة الأمر الواقع غير الشرعية في بورتسودان، التقرب من المجتمع الدولي وتقديم فروض الولاء والطاعة له، لتحقق نقاطا مثل العودة إلى الإيقاد، وقبول المبادرة التركية، وتصريح وزير خارجيتها الإيجابي حول العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة وثيقة الصلة بالمليشيا الارهابية، وتهدئة خطابها السياسي الرسمي، وترك احد منسوبيها الكبار “حاكم دارفور” وقائد اكبر حليف في القوات المشتركة، يصرح بشكر الولايات المتحدة الأمريكية على فرض عقوبات على زعيم المليشيا الارهابية، وإصدار تصريح -ان صح- بالتبرؤ من فعل احد جنودها بقتل الاسير من المليشيا الارهابية وزعم ان تصرفه تصرف فردي، وأنها قامت بالقبض عليه وستحاكمه، مع إعلان تمسكها بالقوانين الدولية والإنسانية التي تحكم الحرب. 

(٤) 

ومفاد ما تقدم هو ان حكومة الأمر الواقع غير الشرعية تحاول جاهدة كسب رضا المجتمع الدولي الذي يعمل على فرض تسوية وفقا لمصالحه، في حين تترك رفض هذه التسوية لمليشيا الحركة الإسلاميّة المجرمة،في توزيع واضح للأدوار يوسع من هامش المناورة. فهي لا تستطيع حتما ان تقوم بخطوات التقارب المذكورة ، دون رضا الحركة الإسلامية الحاكمة عبرها، والتي تعمل جاهدة على تماسكها بمستوى دفعها لطرد الأمين العام المكلف للمؤتمر الوطني المحلول إلى سلطنة عمان – ان صح ذلك- بسبب اصراره على تصعيد الصراع الداخلي المهدد بالانقسام، واتهامه بكشف مخابئ المطلوبين للعدالة الدولية، وهذا يوضح مدى رفضها لتسليم المطلوبين واستماتتها في الدفاع عنهم ، ويفضح تمسك المليشيا الأرهابية بهذا التسليم لعلمها باستحالته عليها. أما المليشيا الأرهابية التي تقع تحت الضغط الدولي في هذه الفترة، لتليين موقفها وجلبها للتسوية، فليس واردا الصدام مع المجتمع الدولي، الذي يضغط على كفلائها للقبول بالتسوية وإيقاف الحرب، ويدفعهم للتفاوض مع حكومة الأمر الواقع غير الشرعية بوساطة تركية قائمة على دور تركيا الفاعل مؤخراً. ويقيننا ان المليشيا الأرهابية ستأتي للتسوية مرغمة، في حال تطورت التهدئة الدبلوماسية بين حكومة الأمر الواقع ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى تسوية. فإذا كانت التسوية تلوح في الأفق، فما هو واجب القوى الوطنية المتمسكة بثورة ديسمبر المجيدة وشعاراتها؟ المطلوب حتما هو الترحيب بوقف الحرب، مع عدم القبول بتسوية سياسية تقبل بوجود طرفي الحرب في الساحة السياسية، والعمل على إسقاط هذه التسوية في شقها السياسي، عبر استكمال واجب بناء الجبهة القاعدية الواسعة. 

وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله

(*) كاتب وباحث وقانوني

Exit mobile version