كنت محظوظاً أن وجدت رواية (خلوة ود رغيم) للأستاذ فائز أحمد علي في معرض القاهرة الدولي للكتاب عند الصديق أسامة وداره المصورات. أقبلتُ على الرواية بنهم، وفي داخلي الأستاذ فائز أحمد علي الشاعر ! أدهشتني عبارته العميقة الموحية، وسيطرته على أسلوب السرد بتلك الرؤيا الغيبية التي توازي الواقع وتتحداه! فتحملنا إلى عالم الروحانيات الذي يخالف ما اعتدنا عليه في حياتنا اليومية. أسعدني بل أدهشني، أنه جعل قرية أو بلدة (تنقاسي) التي عند (منحنى النيل)، هي الأرض التي تدور فيها الأحداث.. هذه البلدة المحفورة في ذاكرتي منذ الطفولة، ونحن نمر عليها ورحلة الباخرة النيلة (وابور البحر) من كريمة إلى بلدنا (قنتي) التي لا تبعد عنها كثيراً، هي ذاتها بلدة الصديق الشاعر الدبلوماسي سيداحمد الحردلو التي هي أرض والده وأبناء عمومته (أحمد وصادق الشامي).
لقد تناول الأستاذ فائز أحمد علي الحياة الدينية المتأصلة في تلك المنطقة بعلم العارف الرصين بحقائق الحياة الزاهدة المتوكلة في تلك المنطقة، فسال تاريخاً يحمد عليه.
الجد (ود رغيم) كان هو التاريخ الذي يروى، والحفيد (عامر) هو المتلقي الذي يحكي، بعد أن ينفصل عن الواقع ويعيش حياة (البرزخ) الغريبة التي للجد.. ومن ضمنها وأساسها (كتاب الأسماء)، وبداية الحكاية البشرية منذ نزول أبينا آدم من الجنة إلى الأرض.. والصراع حول ذلك الكتاب ومطاردته من قبل (السحرة والمشعوذين والشياطين ومردتهم، ومن كل مفتون في عصره يحلم بامتلاك القوة، وقد كان رئيس هذه الجماعة في كل عصر، رجلاً من الأنس قوياً في وقته، قد يكون متديناً أو ملحداً، لا يهم، المهم هو الحصول على الكتاب).. هذا الكتاب الذي أصبح مصدراً للصراع في الدنيا بين الخير والشر، هو المسؤولية التي وُضِعت على كاهل (الحفيد) بطل الرواية.. وفي تقديري هذا جوهر الرواية الأساسي في بناء الحضارات البشرية أو تدميرها، والحفيد في هذه الرواية، هو الرمز للأجيال الإنسانية المتعاقبة لتعمير الأرض أو تدميرها حتى قيام الساعة.
أخلص في هذه العجالة إلى القول: أن الرواية أمتعتني وهي تحمل العديد من المعاني والظلال والدلالات الرمزية للصراع البشري على اختلاف تنوعه وطرائقه وأشكاله ورمزياته التي بدأت منذ قابيل وهابيل، والبحث عن الحق. رواية ممتعة تستحق الجائزة التي نالتها.