في ذم التحالف مع الجنجويد – (1)

د. أحمد عثمان عمر

تقوم التحالفات السياسية على تقاطع مصالح القوى الإجتماعية ذات المصلحة في التحالف. التي يخدمها خط سياسي يحدد العدو المشترك، ويضع برنامج الحد الأدنى الذي يحقق تلك المصالح. ومفاد ذلك هو أن كل تحالف يجب تحديد طبيعة القوى الإجتماعية المستفيدة منه، المكونة للأساس الإجتماعي له، والمشاركة في الصراع الإجتماعي من مواقعها الطبقية وليس من مواقع محايدة. فهي إما أنها تصارع علنا بوعي بمركزها الإجتماعي وتنظم نفسها للدفاع عنه، أو أنها تحقق مصالحها من خلال خدمة شريحة إجتماعية أخرى، تستقطبها لخدمتها من مواقع سيطرة إجتماعية تأخذ طابع السيطرة على السلطة والثروة.

وفي الدول الغربية الاوربية خلال مرحلة الإنتقال من الإقطاع وتصفيته لصالح الرأسمالية الصناعية التي كرست إنتصار البرجوازية، نشأت فئة تقع خارج علاقات الإنتاج الرئيسية ، لا تملك أياً من وسائل الإنتاج ولا تبيع قوة عملها، وتكسب عيشها بطرق مشبوهة مثل الدعارة والسرقة والسلب والنهب، وتبيع نفسها للبرجوازية لتعيش على هامش المدن وتشكل أساس المليشيات التي تستخدمها البرجوازية لقمع الإنتفاضات ضدها، ومثال لذلك مليشيا الحرس المتنقل التي تم تكوينها لقمع الثورة في فرنسا، وكان قوامها هذه الشريحة الإجتماعية التي عرفت بإسم البروليتاريا الرثة، والتي تتواجد في جميع المجتمعات. فهي فئة ليست ذات مشروع خاص بها، لأنها لا تملك وسائل إنتاج ولا تبيع قوة عملها وتعيش على هامش عملية الصراع الإجتماعي من حيث وعيها بذاتها، وتكسب قوتها بطرق مشبوهة قائمة على الجريمة، وتميل إلى بيع نفسها للفئة المسيطرة وتخدمها كمليشيا حارسة لمصالح تلك الفئة، قامعة لتطلعات الشرائح والفئات الإجتماعية المتمردة على تلك السيطرة.

والناظر لمليشيا الجنجويد الإرهابية في لحظة التكوين، يجد أن التعريف أعلاه ينطبق عليها وقع الحافر على الحافر. فهي مليشيا كونتها فئة الرأسمالية الطفيلية الحاكمة حينها، من مجاميع خرجت من مجتمع رعوي في ظروف شح موارد، وهي لا تملك وسائل إنتاج ولا تبيع قوة عملها كعمال، بل تعتمد في كسب عيشها على السلب والنهب وقطع الطريق، ليتم توظيفها في قمع الحركات المسلحة التي مثلت الشرائح الإجتماعية المتمردة على سيطرة الرأسمالية الطفيلية الإسلامية الحاكمة، والمقاتلة في سبيل إسقاط سلطة رأس المال الطفيلي الإسلامي، المسيطر على السلطة والثروة في المركز.

وفي هذا السياق، كانت قيادة مليشيا الجنجويد الإرهابية ومجاميعها المجندة، أعضاء أصيلين في فئة البروليتاريا الرثة، التي وصفت في أوربا بحثالة المجتمع، ليس من باب الإهانة بل من باب توصيف علاقتها بالعملية الإنتاجية ووقوعها خارجها. وبتكوين مليشيا الجنجويد، تلاقت إرادة الرأسمالية الطفيلية التي تتطفل على العملية الإنتاجية وتسرق جهد المنتجين سواء أكانوا عمال أوفلاحين أو حتى برجوازية صناعية، مع قوة السلب والنهب والنشاطات المشبوهة التي تقوم بها البروليتاريا الرثة، فكونت جحيم دارفور الذي يعرفه المجتمع الدولي كافة، وتمدد الأمر ليصل حد الإرتزاق في الحروب الإقليمية علنا، حين باعت الرأسمالية الطفيلية الإسلامية بندقية البروليتاريا الرثة مقابل المال.

وبتصعيد قيادة مليشيا الجنجويد الإرهابية لتصبح جزءا من فئة الرأسمالية الطفيلية المسيطرة، بتمكينها من مناجم الذهب والسماح لها بسرقة ثروة البلاد وتهريبها، ومن ثم بناء امبراطورية تجارية ذات إرتباطات بالخارج، أصبحت المليشيا الإرهابية المجرمة نفسها مزدوجة الطابع، مكونة من قيادة تشكل جزءا أصيلا من الرأسمالية الطفيلية، وقاعدة من البروليتاريا الرثة، كلاهما مشروعهما الرئيس يقوم على النهب بإعتبار أنهما معا يتطفلان على العملية الإنتاجية، فشهدنا أقسى أنواع السلب والنهب والجريمة المنظمة والجرائم ضد الإنسانية، في تأكيد لطبيعة هذه القوى الإجتماعية التي لا يمكن أن تفعل غير ذلك إلا إذا أرادت أن تخون نفسها وتعمل ضد مصالحها الطبيعية، وهذا غير ممكن بالطبع.

والطبيعة الإجتماعية للمليشيا الإرهابية، هي أساس عنفها وقسوتها وخروجها عن كل الأعراف والقيم الإنسانية، وإيغالها في النهب والسلب والإغتصاب والتعامل مع البشر وكأنهم أدنى من الحيوانات، وهي كذلك أساس غياب أي مشروع سياسي أو فكري حقيقي وتبني برامج قوى إجتماعية أخرى، إبتداءا من خدمة المشروع الحضاري الوهمي للرأسمال الإسلاموي الطفيلي، مرورا بسرقة خطاب قوى الثورة بطريقة اراجوزية مثيرة للشفقة مع خلطه بخطاب الهامش الذي قاتلته، وصولا إلى تبني برنامج الحركة الشعبية شمال في نيروبي مؤخرًا، وهو أيضآ ً أساس الفشل في التحول إلى سلطة مدنية فعلية في المناطق الواسعة التي سيطرت عليها المليشيا الإرهابية بعد هروب الجيش المختطف المتكرر في بداية الحرب.

هذه المليشيا الإرهابية المجرمة المكونة من قيادة خرجت من رحم البروليتاريا الرثة وأصبحت عضوا في نادي الرأسمالية الطفيلية، وقاعدة مكونة من مجاميع البروليتاريا الرثة التي تقع خارج عملية الإنتاج الصناعية الزراعية في ظل أزمة موارد وشح في مناطقها الرعوية، من المستحيل أن تتقاطع مصالحها مع القوى المنتجة والشرائح ذات المصلحة في الثورة والتغيير، وستظل دائما في خدمة مشروع التطفل، بغض النظر عن كون قيادتها هي الطفيلي، أم الطفيلي فئة أخرى توظفها. وفي هذا الإطار تأتي محاولة الحركة الإسلامية المجرمة تصفية الأسرة المسيطرة على المليشيا الإرهابية، لتنصيب قيادة أخرى ، تعيد فئة البروليتاريا الرثة لخدمة الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية حصرياً. لذلك الحرب التي اشعلتها ليس الهدف منها تفكيك المليشيا الإرهابية وحلها، بل إستعادة السيطرة عليها بعد طرد قيادتها وتنصيب قيادة بديلة، وفي هذا السياق يفهم الخطاب المتشدد ضد الشقيقين الشقين أو كما قال الداعشي المعتقل.

ومن المهم ان نلاحظ أن البروليتاريا الرثة ليس بالضرورة أن تكون فقيرة، بل من بين أفرادها من يتمتعون بثروات طائلة، فما يوحد أفرادها هو وسيلة كسب العيش غير المشروعة، والثقافة الواحدة. وهي فئة معادية للتغيير الثوري لأنه لا يخدم أهدافها ولا يحقق مصالحها. ففي السودان مثلاً، ثورة ديسمبر المجيدة نادت بحل مليشيا الجنجويد الإرهابية المكونة من البروليتاريا الرثة تحت قيادة منتمية لرأس المال الطفيلي، وهذا يمنع أفرادها من الإستمرار في كسب عيشهم بهذه الطريقة غير المشروعة، ويوضح لماذا دللتهم أوراق نيروبي وقررت ليس بقاءهم فقط بل جعلهم أساسا ً للجيش الجديد، وتمكينهم من السلطة لعشر سنوات كفترة إنتقالية تمتد إلى إنتهاء الحرب التي لا يعرف متى تنتهي.

والمنحدر الإجتماعي للمليشيا الإرهابية هو أساس خدمتها لدولة الإنقاذ، ومشاركتها في إنقلاب القصر ضمن اللجنة الأمنية، ومشاركتها في فض إعتصام القيادة العامة، وفي إنقلاب اكتوبر 2021م، وفي قتل المتظاهرين السلميين، وفي سلب ونهب المواطنين خلال الحرب الراهنة، وتشريد المزارعين المنتجين ونهب أدوات إنتاجهم ومخزونهم من الغذاء. وهو أيضاً أساس حتمية وقوفها ضد التغيير، وأساس صحة الشعار المطالب بحلها، وفوق ذلك أساس لذم التحالف معها لأنه تحالف مع قوى معادية للثورة بطبيعتها الإجتماعية، وفي حال تمكينها من السلطة، سوف تقوم بتدمير المجتمع وقواه المنتجة، ولن تحقق أهداف ثورته من حرية وسلام وعدالة، مفتاح تحقيقها حل المليشيات وعلى رأسها مليشيا الجنجويد الارهابية التي نادت الثورة صراحة بحلها. والمطلوب هو التمسك بشعار الحل، وذم التحالف معها بوصفه تحالف مع أعداء الثورة، وهو تحالف سنواصل ذمه في مقالات قادمة ان كانت هنالك بقية في العمر.

وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!!

25/4/2025

Exit mobile version