تداعيات حوادث النهود، كسلا، بورتسودان

صلاح شعيب

ما يتضح من احتلال الدعم السريع النهود، والخوي، وما تلى ذلك من قصفه كسلا، وبورتسودان، أن الحرب دخلت مرحلة جديدة. وما يتضح ثانيةً أن استعادة حكومة بورتسودان السيطرة على ولاية الجزيرة، والعاصمة الخرطوم، وبحري، لم ينه الحرب تماماً. ذلك خلافاً لما صدعنا به مسؤولون، ومؤيدون للحرب، من آراء مستعجلة زعمت انتصار الجيش، وأن هناك إمكانية لإعادة الإعمار. وللأسف أظهرت الآلة الإعلامية لدعاة الحرب كأنما دخلنا مرحلة السلم بعد عامين من الاقتتال الدامي. وتبع ذلك مناشدتها المواطنين للعودة للخرطوم لممارسة حياتهم الطبيعية رغم انعدام المقومات الأولية للحياة.

ما جرى في النهود ليس جديداً من حيث التخطيط، والفعل، والعائد. فهو يضاف إلى سلسلة من الأحداث البانورامية التي شهدتها بعض مدن السودان، وقراه، منذ بدء الحرب. والنتائج المتحققة من كل هذه الأحداث كانت ضياع الأرواح، والممتلكات، وخراب البيوت، وانهيار البنيات التحتية. فضلاً عن نزوح المواطنيين، وهجرتهم، بعد تعرضهم للانتهاكات من الطرفين، وكذلك من أطراف أخرى استفادت من مناخ الحرب لتنجز السلب، والنهب.

التحول النوعي في الحرب منذ حين أن الطرفين امتلكا أدوات أكثر قدرة على تدمير المنشآت المدنية. فمسيرات الجيش ساعدته في استرداد جبل موية ما أجبر عدوه على فقدان الجزيرة، والخرطوم، إن لم نقل الانسحاب. ولاحقاً سعى الطيران الحربي إلى تدمير ما سماه حواضن الدعم السريع ما خلف دماراً للمنشآت، وإزهاق العدد الكبير من أرواح الأبرياء.

وبالمقابل جادت قريحة الداعمين للدعم السريع فساهم امتلاكه للمسيرات أيضا في توجيه قصف أدى إلى تدمير منشآت حيوية كانت آخرها مطارا كسلا، وبورتسودان، هذا بخلاف الانتهاكات التي وثقها جنود الدعم السريع ضد أسراهم.

وسط هذا السعي المحموم لتفعيل سلاح المسيرات أكثر من الاعتماد على الأسلحة التقليدية واصلت الحرب في مسارها لتحصد عدداً من الأبرياء فيما زادت في وتيرة تصاعد خطاب الكراهية الذي قسم مجتمعاتنا المدينية، والريفية.

بالتزامن مع كل هذه الأحداث غابت محاولات الحلول عبر المبادرات الإقليمية، والدولية. وبدا كأنما ترك العالم السودانيين ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم دون توسط ناجع ينهي كارثتهم الإنسانية. وعلى صعيد الداخل فلا شي مؤسف أكثر من حرص حكومة بورتسودان على استمرار الحرب دون امتلاكها قدرات حقيقية لإنهائها، بجانب معالجة آثارها الكارثية على المواطنين. وبالنسبة للقوى السياسية المركزية فليس هناك ما هو ممض أكثر من انهيار مجهوداتها المجتمعة في إحداث اختراق لتوحيد خطابها السياسي لو قلنا إنه قد يجبر الطرفين المتحاربين للإصغاء لصوت العقل.  

مع تعنت حكومة البرهان في السير نحو تحقيق نصر حاسم على الدعم السريع، ولو كلف ذلك عشرات السنين، وموت عشرات الآلف من الأرواح، وانهيار وحدة البلاد، فإن حلفاء الدعم السريع سيحاولون دائماً خلق معادلة في التسليح تبقيه قادراً على المنازلة المتكافئة.

إذن فإننا موعودون ازاء هذا الإصرار على سيطرة البرهان على السلطة بمعاونة الكيزان بالمزيد من الدمار، والاقتتال، في صفوف الفريقين، وارتفاع نسبة الموت والانتهاكات وسط المدنيين، وتهديم فاعلية المعطيات الوطنية، وغيرها من المآسي الإنسانية.

Exit mobile version