حرب السودان .. معاناة مستمرة للمدنيين وشهادات صادمة

مشاوير - تقرير - محمد أحمد الأسباط 

دفع المدنيين في السودان ثمناً فادحاً في الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ اندلاع شرارتها الأولى في أبريل 2023، بالعاصمة الخرطوم، وتمددت إلى ولايات دارفور والجزيرة وكردفان والنيل الأزرق ومناطق أخرى لتشمل أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد. 

لم يقتصر دمار الصراع المسلح فقط على البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، لكنه تخطاها بكثير ليهدم أحلاماً، ويشرد أسراً خارج منازلهم بلا ديار أو مأوى، يضربون في أصقاع الأرض بحثاً عن ملجأ آمن، بخاصة بعد أن تعرض الملايين لأضرار وخيمة من نهب للممتلكات واعتقال واختطاف، وكذلك فقدان الأطفال والأزواج ومعاناة النزوح المتكرر بسبب اتساع رقعة القتال وتزايد الضائقة المعيشية ومعدلات الانتهاكات.

 

أوجاع ومآسي

يعيش آلاف السودانيين معاناة نفسية يصعب وصفها بسبب تداعيات الحرب خصوصاً الضحايا والنازحين، ولكل منهم قصته وأوجاعه الخاصة.

يقول ناجي الطيب، من مواطني منطقة الأزهري جنوب الخرطوم أنه “أمضي”70” يوماً من الرعب من دون نوم ولا ماء أو كهرباء، وسط ارتفاع حدة المواجهات، “كان الخروج من تحت السرير كلما تصاعدت وتيرة القتال مغامرة، والخروج إلى الشارع أشد خطورة، فأصبحت وأسرتي محبوسين بالمنزل بينما ينفد طعامنا وشرابنا تدريجاً ولا اتصالات متوافرة طلباً للعون، والبقاء أكثر يعني الموت جوعاً وعطشاً، فقررت المغادرة بتدابير خاصة ومكلفة وشاقة حتى وصلت إلى منطقة الحاج يوسف بشرق النيل.

وأضاف “لم تكن الحال أفضل من سابقه، إذ امضيت شهر من الرعب وسط ظروف إنسانية صعبة، ولم اجد بداً من الفرار، مع اشتداد القصف والمواجهات، عبر رحلة شاقة وطويلة إلى مدينة سنجة في ولاية سنار. 

وتابع الطيب “ما إن وصلنا حتى وجدنا أعداداً كبيرة من الأسر جاءت من مناطق مختلفة من ولايات السودان، وبالفعل كانت الحياة هادئة، لكن سرعان ما تغيرت الحال عقب اجتياح قوات “الدعم السريع” للمدينة، إذ بدأ نزف الدماء وسلسلة الانتهاكات. 

وأردف “تعرضت للاعتقال والضرب والإهانة دون ذنب، وظللت محتجزاً لما يقارب الشهر وسط ظروف قاسية. 

 

أحداث صادمة 

أما صاحب التجربة الأكثر مرارة ورعباً، فهو المواطن أمين حمد الذي فقد في لحظة واحدة ثلاث من أبنائه (بين 13 و24 سنة) بشظايا قذيفة مدفعية في مدينة أم درمان فقرر الفرار للنجاة بأرواح من تبقى من عائلته وأهله، ولسوء حظه فقد وقع في قبضة شبكات تهريب البشر عبر الحدود السودانية الليبية في رحلة العذاب والموت التي طالت لأكثر من 10 أيام. 

يروي حمد أنه “تعرض لعملية احتيال وابتزاز ووجد نفسه وحيداً مع أسرته على الحدود بعد أن تم إنزالهم والمطالبة بدفع أموال إضافية حتى يتمكنوا من المغادرة والوصول إلى وجهتهم، على رغم الظروف الصعبة والارتفاع الكبير لدرجات الحرارة والعطش وضربات الشمس.

مضى يتابع سرده “تركنا المهربون في العراء مع أحد الحراس نفترش قطعة من البلاستيك تحاشياً للدغات العقارب، وأمضيت الليلة كلها أراقب أطفالي وهم نائمون خوفاً من الزواحف السامة. 

وأوضح أن “هناك وفيات عدة حدثت لأفراد أسراً سودانية بسبب العطش وضربات الشمس بينهم أطفال وشباب ماتوا خلال رحلة التهريب. 

 

رعب وخطر

أما الطبيبة نادية السر فقد امضت نحو 20 يوماً فى مستشفى بمنطقة الكلاكلة بالخرطوم وهي تعالج ضحايا الحرب، حيث لم يسبق أن رأت مثيلاً لعدد الجرحى وفداحة الإصابات التي خلفتها المعارك. 

وتوضح أن “كل المستشفيات أغلقت بالكامل وغالبية الكوادر الطبية هرعت في محاولة للهرب والنجاة بأنفسها، وكان المواطنون الذين يقطنون الأحياء المجاورة في حالة ذعر وخوف خشية الموت في أية لحظة”.

وتتذكر السر مشاعر الخوف والقلق وتقول “فجأة ومن دون مقدمات، دوت الأسلحة الثقيلة وانهمرت القذائف، وعلى رغم مشاهد الرعب قدمنا الإسعافات الأولية لمئات المصابين، ولحسن الحظ وجدنا معينات طبية في المستشفى، كما واجهتنا مصاعب جمة، لأن الحالات التي كانت تأتي إلينا للعلاج تدخل الواحدة تلو الأخرى. 

وأشارت إلى أنه “مع مرور الوقت حضر إلى المستشفى طبيب جراح وأخصائي عظام، وكنا يساعد بعضنا بعضاً لمعالجة الجرحى وننظف ونعقم العملية باستمرار لنتجاوز الموجة الضخمة الأولى من الحالات الحرجة على رغم محدودية الكوادر الطبية، ونجح فريقنا في علاج المئات.

Exit mobile version