الحرب ترفع معدلات زواج القاصرات في السودان 

كردفان - تقرير - برعي الأبنوسي 

مع طول أمد الحرب في السودان التي أكملت شهرها الـ25، تفشت ظاهرة زواج القاصرات بصورة كبيرة بخاصة في ولايتي جنوب وغرب كردفان، إذ دفعت الحاجة إلى حماية الفتيات من العنف الجنسي المتصل بالنزاع المسلح بعض العائلات إلى تزويج بناتهن ليصبحن ضحايا صاغرات لظروف عيش لم يخترنها.

وبات زواج الطفلات آخذ في التزايد بسبب تداعيات الصراع المسلح، بدوافع اجتماعية متعددة أو للجوء الأب لتزويج ابنته حفاظاً عليها من الخطف في مناطق تشهد توترات.

نوال التي اكتفت بذكر أسمها الأول، هي احدى ضحايا الزواج المبكر بسبب الحرب الدائرة حالياً، حيث تقيم في منطقة القوز بولاية جنوب كردفان، تحدثت عن تجربتها بأسى “شجعني والدي على الزواج من شخص خارج الأسرة وأنا في الـ13 من عمري، اكتملت المراسم، في شهر مارس الماضي، وانتقلت إلى ولاية بعيدة، وأخشى من عواقب وخيمة في المستقبل. 

وأشارت في حديثها لـ (مشاوير) إلى أن “أسرتها أقنعتها بأن الظروف صعبة في الوقت الحالي والحل لكل الأطراف أن تتزوج من رجل يحميها في ظل تنامي ظاهرة العنف المتصل بالنزاع المسلح، فضلاً عن عدم قدرة والدها على مساعدتها في إكمال دراستها بعد أن فقد عمله اليومي في العاصمة الخرطوم. 

وتأمل نوال “أن تعيش سعيدة وأن تعيش في مأمن مع زوجها وألا تحرمها الالتزامات الأسرية من إكمال دراستها. 

 

دوافع عديدة 

إلى ذلك، قالت المتخصصة في علم النفس نجلاء عبد المحمود لـ (مشاوير) إن “ظاهرة زواج القاصرات تمثل جريمة بكل المقاييس، إنسانية وحقوقية واجتماعية، وأسهمت تداعيات الحرب في تزايد نسبة زواج اليافعات، خاصة في المدن التي تشهد نزاعات مسلحة وانتقال الأسر من المناطق الحضرية إلى مخيمات النزوح دون النظر إلى العواقب، بل إن مجتمعات ريفية يندرج ضمن عاداتها وتقاليدها الاجتماعية تزويج الطفلات. 

وأضافت : تلجأ بعض الأسر إلى تزويج القاصرات بدافع الخوف عليهن من الاغتصاب أو الاختطاف والاختفاء القسري، وكذلك الحصول على “المهر” من أجل المساعدة في تلبية الاحتياجات اليومية، ولا يمكن اغفال دور الثقافة الذكورية التي تستغل الظروف وأوضاع الصراع المسلح للضغط على الفتيات والتحكم في مصيرهن. 

وأوضحت عبد المحمود أن “آلاف الفتيات حرمن من حقهن في التعليم والاختيار في ما يخص شريك حياتهن، وأن معظم هذه الزيجات يتم خارج المحاكم وبعقد زواج معتمد فقط من مأذون شرعي، بالتالي يتحول معظمها إلى حالات طلاق وضياع. 

 

قلق دولي 

في غضون ذلك، قالت منظمة “إنقاذ الأطفال”، في بيان، إن مقاتلين مسلحين يعتدون جنسياً على فتيات في سن المراهقة ويغتصبونهن “بأعداد مقلقة”. 

وأفادت الأمم المتحدة بوجود “زيادة ملحوظة” في العنف على أساس النوع، وقال مدير منظمة “إنقاذ الأطفال” في السودان عارف نور “نعلم أن الأعداد الرسمية هي مجرد غيض من فيض، يجري استهداف فتيات بعمر 12 سنة بسبب جنسهن أو عرقهن أو ضعفهن. 

وأضاف “بعض الآباء يزوجون بناتهم في سن صغيرة في محاولة لحمايتهن من الاعتداءات”.

ووردت تقارير عن احتجاز فتيات أياماً مع الاعتداء عليهن جنسياً، وعن وجود حالات اغتصاب جماعي للنساء والفتيات. 

وقالت منظمات تابعة للأمم المتحدة، في بيان مشترك، “حذر مقدمو الرعاية الصحية واخصائيون اجتماعيون ومستشارون وشبكات مجتمعية للحماية من زيادة ملحوظة في تقارير العنف على أساس النوع في ظل استمرار الأعمال العدائية في أنحاء السودان. 

 

آليات مشوهة 

من جانبها، قالت رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمة إسحاق أن “آليات الحماية مشوهة ولا تشكل حماية للطفلات ضد العنف المتصل بالنزاع، لأن الأسر تلجأ إلى الزواج المبكر خوفاً من الانتهاكات أو تأمين حياة جديدة في ظل مستقبل مجهول للبلاد، خصوصاً خلال فترة النزوح. 

وأبدت إسحاق قلقها من تزايد حالات اختطاف الفتيات في مناطق النزاعات، لا سيما القاصرات. 

ولفتت إلى أن “جميع النساء في السودان معرضات للعنف الجنسي لأن دائرة الحرب امتدت إلى عدد من أقاليم البلاد.

 

أفكار مشوهة 

وفي ذات السياق، أشارت الباحثة الاجتماعية ندى الهادي إلى أن “ظاهرة زواج القاصرات انتشرت في مناطق النزاع المسلح بصورة كبيرة لأسباب عديدة، منها لحاجة لحماية الطفلات من العنف الجنسي خصوصاً في ظل غياب آليات الحماية. 

وأضافت : اليافعات في السودان معرضات للعنف الجنسي بصورة كبيرة نظراً الى وجود أفكار مشوهة تجاه ممارسة الجنس مع القاصرات بذريعة أنه يضاعف الفحولة، وعدم الخوف من انتقال الأمراض الجنسية بحكم أن الصغيرات لم يمارسن الجنس سابقاً.

وتابعت : توجد آثار عديدة ناتجة عن الظاهرة، حيث هناك من ينتحرن من بين المتزوجات نتيجة عدم تحمل المشكلات الأسرية بسبب عمرهن الصغير، فضلاً عن المشكلات الصحية والاجتماعية.

وأردفت : أما بالنسبة إلى الآثار النفسية لزواج القاصرات، فيمكن أن تتمثل في “الحالات الهستيرية والخوف والقلق والاكتئاب، وتتطور بمرور الوقت إلى وسواس قهري وفصام، هذا في حال لم تنهِ فتيات عدة حياتهن بالانتحار أو جنوح بعضهن إلى الإدمان. 

 

دوافع وضغوط 

بدورها، أوضحت الناشطة المجتمعية بثينة حماد، التي تعمل في مراكز إيواء النازحين بمدينة الفولة بولاية غرب كردفان، أن هناك عوامل عدة في هذه المراكز تدفع الأسر إلى ممارسة العنف ضد النساء، وبخاصة الفتيات القاصرات.

 وأضافت : العنف الأسري في الإقليم يظهر بشكل واضح من خلال تزويج القاصرات من قبل أولياء أمورهن، وذلك بدافع الخوف من الاعتداءات وغيرها من المخاطر التي لم يتم تحديدها بشكل دقيق.

واعتبرت الناشطة المجتمعية “أن الضغوط الناتجة عن استمرار النزاع أدت إلى تزويج الفتيات في سن مبكرة، وذلك استناداً إلى تقديرات الأسر التي تعاني من الظروف الصعبة نتيجة تداعيات الحرب.

Exit mobile version