أبو داؤود.. ألحانه المميزة أثرت غناء الخالدي، ومصطفى، وزيدان، وآخرين 

صلاح شعيب

تفتحت المواهب اللحنية للموسيقار سليمان عبد القادر أبو داوؤد بعد انضمامه إلى مركز الخرطوم جنوب للغناء والموسيقى، والذي ظل منذ النصف الأول من الخمسينات يحتضن مواهب الغناء، واللحن، والعزف على مختلف الآلات، حيث شهد وجود ملحنين كبار أمثال عثمان حسين، ووردي، وخليل أحمد، وعبد الفتاح الله جابو، وعبدالله عربي، وحسن بابكر، وغيرهم ممن شكلوا إضافات كبيرة على مستوى الإبداع. ولقد كانت أحياء السجانة، والديوم، والقوز، والحلة الجديدة تشهد إبداع فرقة أبو داوؤد الموسيقي ثم يمتد نشاطها في العاصمة المثلثة، إذ كان الدينمو المحرك لها، وعبر هذه الفرقة التي رعاها برزت قدرات جديدة على العزف على الآلات الوترية، والإيقاعية، وآلات النفخ، والكيبورد.

علاقة أبو داوؤد بالموسيقى بدأت منذ طفولته. وفي مرحلة الصبا احترف الجندية الموسيقية عازفاً لآلة الطرمبيت. ولعله وقف على تجارب من سبقوه في مجال الموسيقى العسكرية أمثال عوض مرجان، وموسى محمد إبراهيم، وعوض محمود، وغيرهم. هناك أجاد سليمان عبد القادر التنويت الموسيقي، واستفاد من التجربة في توزيع دور الآلات في العمل الأوركسترالي، فضلاً عن الاستفادة من التمارين، والنشاطات الكثيفة التي يتطلبها العمل في مضمار الموسيقى العسكرية. وهكذا مزج كل ذلك بتجاربه في العزف لعدد كبير من الفنانين عبر مركز الخرطوم جنوب. وتدريجياً مثلت فترة نهاية الستينات فرصة لأبي داؤود لتجريب التلحين، خصوصاً أن المنطقة التي عاش فيها كانت مليئة بسيرة فنانين عظام أمثال عثمان حسين. ولذلك حاول أن يستلهم من تجربته التي بدأها عازفاً للعود في فرقة الفنان عبد الحميد يوسف الذي كان حلقة الوصل بين فترتي الحقيبة، والغناء الحديث.

وبذات القدر تحول عازف الطرمبيت إلى أهم الملحنين في السبعينات داخل المركز، ومع هذا لم يتخل عن عشق الآلة المحببة له. إذ يعد من الملحنين النادرين الذين ارتبطوا بآلات النفخ. ورويداً، رويداً، تصاعد اسمه الفني بحلول نهاية السبعينات حين شكل ثنائية مثمرة مع الفنان عبد المنعم الخالدي.

أبو داوؤد وبوصفه من الملحنين الذين جمعوا بين رصيد الموسيقى العسكرية، والغناء الحديث عازفاً للطرمبيت، وكذا العود، لا بد أنه يضيف لملحنين كثر ارتبطوا بالعسكرية كان على رأسهم عوض مرجان، والفاتح كسلاوي، ومن ثم تعدد حضورهم في المشهد الغنائي بوصفهم أكثر انضباطاً في الأداء، وأخذ العمل الفني على محمل الجد.

-٢-

سليمان عبد القادر كان له الفضل الأكبر وسط الملحنين الداعمين لمسيرة الخالدي الذي كان صوته طروباً بلمسة حزن عميقة. فقد قدم له “حب الناس” للشاعر التوم إبراهيم التوم. وشارك بهذا العمل في مهرجان الثقافة الثالث عام ١٩٧٩ الذي شهد منافسة قوية، حيث كان الواعدون آنذاك الأمين عبد الغفار، ومحمود تاور، ومصطفى سيد أحمد، وعز الدين عبد الماجد، وعلي الزين، وعبده الصغير، وعثمان الأطرش، ضمن كوكبة المشاركين المميزين في ذلك المهرجان. وبعدها عرف الناس الخالدي بصوته المتفرد الذي جعل أبو داؤود يضاعف له في اللحن. فقدم له أغنيات“جيت مهاجر” للشاعر علي الشاعر، و”سلمى” للشاعر حاج حمد بانقا، و”الأميرة” للشاعر التوم إبراهيم التوم، و”خصل شعرك” للشاعر يحيي العبيد، و”ما نسيتك” للشاعر صلاح محمد مضوي.

الملحن أبو داؤود لم يكتف بدعم الخالدي الذي شارك في المهرجان، بل سعى أيضاً إلى دعم زملائه الآخرين المشاركين في المهرجان. فكان من نصيب مصطفى سيد أحمد أن غنى من أعمال سليمان أبو داوؤد “حسنك بديع” للشاعر خليفة الصادق، وكذلك “لو بريدك يعني مالو” للشاعر الرشيد آدم الرشيد، وأخذ الأطرش “يا مشاعر” للشاعر حاج حمد بانقا.

وقد فاز في ذلك المهرجان لحن أبو داؤود الذي قدمه للخالدي على المركز الخامس فيما حاز لحن الأطرش على المركز الأول، وتلاه تاور، ثم الأمين عبد الغفار، فمصطفى.

الموسيقار إبراهيم سوناتا رافق الموسيقار سليمان عبد القادر من خلال فرقته لفترة طويلة، وسافرا في جولات موسيقية متعددة، وجاوره في الحي، فقال عنه “تتلمذ أبو داؤود مبكراً علي أيدي أساتذة أكفاء في مدرسة سلاح الموسيقي منهم الراحل محمد إسماعيل بادي، وأيضا الأستاذ إسماعيل عبد المعين، والذي ساعده كثيراً في فرقة البساتين، والتي انضم إليها في نهاية الستينات ليبرع بعد ذلك في المدرسة التجديدية في التلحين، ويبرع أيضاً في تنفيذ، وقراءة النوتة الموسيقية باقتدار..الموسيقار الراحل سليمان أبو داؤود بدأ في بث ألحانه وأغنياته منذ أوائل السبعينات، وهو عازف رائع علي آلتي الترمبيت والعود، وأيضاً هو ملحن بدرجة الامتياز ويشهد له الوسط الفني بذلك خاصة في نادي الخرطوم جنوب، وقد عكف أبو داؤد علي النشاط الموسيقي منذ زمن طويل حيث بدأ بنادي (الألمنيوم) بالحلة الجديدة جوار نادي الدفاع الحالي، ثم ارتحل هو وفرقته إلى حي السجانة بالنادي النوبي (نادي بوهين) شرق قسم شرطة الخرطوم جنوب بشارع السجانة بالنص وقتها”.

-٣-

تعاون الأستاذ سليمان عبد القادر امتد مع الفنان زيدان إبراهيم حيث قدم له من كلمات الشاعر التيجاني حاج موسى “إذا الخاطر سرح عنك”. وجاء هذا التعاون بعد فترة طويلة سيطر فيها الملحن عمر الشاعر على صوت زيدان، ومع ذلك كان الشاعر لا يني من ترديد هذه الأغنية التي وجد فيها ما يغري، كما أن جمال لحن سليمان عبد القادر جعل عدداً معتبراً من فناني الجيل الجديد يترنمون به هم الآخرون. 

عازف الطرمبيت أبو داؤود تعاون عازفاً لفترة عشر سنوات مع الفنان يوسف الموصلي في مركز شباب السجانة، ويصفه الموصلي بأنه “معروف عنه بأنه ذو خلق، وضاحك، ومبتسم دائماً..أذكر أنه كان يعترف لي بأنه تأثر بي لكونه عزف معي عبر تلك الفترة الطويلة..ولكن أعماله جاءت معبرة عن شخصيته الفنية”.

وأشار الموصلي إلى أنه “بالرغم من سكنه الحلة الجديدة لكن ارتباط سليمان كان بأولاد السجانة، وهم عماد فرقتي..أذكر من عازفي الكمان محمد جعفر، والخال، وحسن ريد، وعازف الأكورديون الفاضل بركية، وعازف الجيتار عبد العزيز، وعازف البيز حسن حامد، وكل هولاء زاملوه في الخمس سنوات الأولى من السبعينات..ابو داؤود نجح بشكل كبير رغم أنه توفي في أواسط العمر ..وكان يرتجى منه الكثير”. وختم الموصلي شهادته بأن “سليمان عبد القادر ملحن بارع ..وجميل..وفنان كبير”.

الفنان عمر إحساس ضمن كثيرين من الجيل الوسيط استفادوا من ألحان سليمان عبد القادر، ومن ضمنهم خالد الصحافة. إحساس أشار في شهادته إلى أن علاقته بالملحن الكبير بدأت بمجاورته في الحلة الجديدة، ثم لاحقاً قدم له أبو داوؤد ثلاثة ألحان من بينها “همسة حب” للشاعر عمر قسم السيد و”عطش السنين” للفاتح حمدتو.

وأضاف عمر بقوله: “أبو داوؤد ملحن كبير..لا يشق له غبار شكل ثنائية عظيمة مع الخالدي، وهو ضمن مدرسة حديثة للحن يمكن مقاربتها بألحان الشاعر حيث الحساسية العالية في اختيار النص، وترجمته موسيقياً.”

ويحكي الأستاذ عمر إحساس عن قصة اللحن الأخير بقوله “كنا في منزل الشاعر الفاتح حمدتو نتناول إفطار رمضان عبر جلسة فنية برفقة عدد من الصحافيين. وكان مقرراً أن يلحق بنا الملحن أبو داوؤد لنكمل توقيع لحن “عطش السنين”.. وبعد أن طال انتظارنا أتانا شخص بنبأ تعرض الملحن إلى ذبحة صدرية بينما كان يؤدي صلاته في المسجد..أصابنا الذهول لفترة ثم ذهبنا إلى منزله، ووجدنا جمعاً غفيراً وقد دفناه في ذات الليلة. وللمفارقة أن مطلع الأغنية التي منحها لي يقول”:

فارس ترجل قال كفى 

بعد النضال صابو الوهن

Exit mobile version