امران مهمان لا بد من التنويه لهما، أولهما هو أننا لا ننتقد الجيش في هذه السلسلة كمؤسسة عسكرية لأنه ليس مؤسسة ولا يمارس دورا عسكريا صرفا كما يستلزم قانونه ويؤكد الدستور ، بل كقوى سياسية تمارس السياسة وتقوم قيادتها بعمل انقلابات عسكرية تقوض بها الدستور وترتكب جريمة التمرد، حيث “لا قداسة في السياسة” وهذا شعار قديم في السياسة السودانية ظهر منذ انخراط السيدين في العملية السياسية. وثانيهما هو أن التحالف المقصود هو تحالف قوى سياسية منظمة لا أفراد مع تنظيم الجيش المختطف السياسي المنقلب على السلطة الشرعية لمصلحة حزب سياسي معروف للجميع ، لأن التحالفات السياسية تتم بين شرائح إجتماعية منظمة تمثلها تنظيماتها، والأفراد إما أن ينتمون مع قوى سياسية أو يدعمونها ولكنهم لا يتحالفون معها. ولهذا حلفاء الجيش المختطف هم حركات محاصصات جوبا الانتهازية، والمليشيات التي أسسها الجيش المختطف أو الحزب السياسي الأم ( الحركة الإسلامية المجرمة)، والمقاومة الشعبية المزعومة، وحزب الأمة جناح بورتسودان تحت رعاية ابن الإمام الكبير المنخرط في سلطة الإنقاذ منذ فترة باكرة، وأي تنظيم سياسي آخر سواء كان مسلحا او غير مسلح. أما المثقفون الأفراد الذين يدعمون الجيش المختطف، فهم مجرد داعمين للحركة الإسلامية المجرمة التي اختطفته ونفذت بإسمه إنقلاباتها العسكرية وحربها الراهنة، تحت دعاوى القومية والمؤسسية والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة وعدم وجود بدائل للوقوف في وجه مليشيا الجنجويد الإرهابية وما إلى ذلك من اعذار وتبريرات واهية سوف نعرض لما لم نعرض له منها حين نأتي للحديث عن الحلول لاحقاً.
والتحالف المذموم هو للتنظيمات والقوى السياسية التي تحالفت مع الجيش المختطف وفي الجوهر مع الحركة الإسلامية المجرمة ، لأنها تتحالف مع الرأسمالية الطفيلية المعادية لشعبنا، والتي نهبته ودمرت اقتصاده طوال حكم الإنقاذ، وعزلته دولياً وحولته إلى دولة راعية للإرهاب، وإرتكبت بإسم سلطته جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية جعلت رئيس دولة الإنقاذ وقياديين في الحركة الإسلامية المجرمة مطلوبين للعدالة الدولية ترفض سلطة الأمر الواقع التي تدعي أنها مجرد قيادة للجيش تسليمهم لمحكمة الجنايات الدولية وينتخب احدهم رئيسا للمؤتمر الوطني المحلول، في تحد سافر للمجتمع الدولي.
فمن يتحالف مع الجيش المختطف، يوافق عمليا على ان ينخرط الجيش المختطف في النشاط الاقتصادي من مواقع التطفل على العملية الإنتاجية، ويوافق ان تتحول قيادة الجيش إلى رأسماليين طفيليين بدلا من جنرالات، يمارسون نشاطهم في القطاع المصرفي عبر بنك أم درمان الوطني، وينشطون في قطاع التأمين عبر شركة شيكان، ويسيطرون على صادر اللحوم وصادرات السلع النقدية، ويؤسسون الشركات في قطاع الخدمات، ويمارسون كافة النشاطات الاقتصادية والتجارية التي تجعلهم جزءا أصيلا من نشاط التطفل الذي خنق العملية الإنتاجية، في إطار يخلق اقتصاد مواز كامل خارج سيطرة وزارة المالية، وبعيدا عن أي رقابة من ديوان المراجع العام، لا أحد يعرف حجمه بدقة حيث قدره رئيس وزراء حكومة شراكة الدم ب 82% من الاقتصاد وهو في الغالب أكثر من ذلك، يتقاسمه الجيش المختطف مع جهاز أمن الإنقاذ الذي لم يتم حله بأمر الثورة، وهذا أحد الأخطاء الكبرى للجناح التسووي في قوى الحرية والتغيير.
والقبول بالتحالف مع الجيش المختطف الذي يقوده ويحكم ممارسته للسياسة قيادة غير شرعية متمردة على الدولة وفقا لقانون القوات المسلحة ومرتكبة لجريمة تقويض الدستور وفقا للقانون الجنائي، يتحالف مع تنظيم يمارس النشاط الطفيلي لأن قيادته منخرطة في النشاط الاقتصادي غير المنتج من رأسها حتى أخمص قدميها. ولا يغير من طبيعتها الاجتماعية وانتمائها لهذه الشريحة قيام الجيش ببعض النشاطات الصناعية، وذلك لأن الجيش المختطف ترك النشاط الصناعي المفهوم المتعلق بالصناعات العسكرية التي يجب ان تخضع للرقابة البرلمانية لاحقا، وانخرط بثقله في النشاط التجاري الذي اصبح السمة الأساسية لنشاطه الاقتصادي. كذلك وجود بعض الصناعات المدنية التي ليس له الحق في ممارستها ايضاً تحت يده، لا يغير تلك الطبيعة الاجتماعية لأنه نشاط عرضي وليس أساسي. وفي الحالتين هذا النشاط نشاط مواز لا يخضع لأي رقابة من اي مؤسسة من مؤسسات الدولة ولا للقوانين، مما يجعله نشاطا طفيليا محضا، ويجعل قيادة الجيش المختطف جزءا أصيلا من النشاط الطفيلي، ويسم الجيش السياسي المختطف بهذه السمة، بإعتبار ان الجيش كمؤسسة مفترضة، يأخذ طابعه من قيادته التي يأتمر بأمرها وفقا لسلسلة القيادة والسيطرة.
وبالطبع لن تستطيع قيادة الجيش المختطف نفسها ولا حلفائها أنها تمارس نشاطا اقتصاديا خارج نطاق الأنشطة العسكرية لا اساس دستوري او قانوني له، فهي بنفسها ظلت تفاوض حكومة شراكة الدم لوضع نشاطها وشركاتها تحت رقابة وزارة المالية، وضغط صندوق النقد الدولي لتحقيق هذا الأمر مع توهم لجنة ازالة التمكين ان ذلك يعطيها ضوءا اخضر للاقتراب من هذه المنطقة المحظورة، كان احد أسباب انقلاب اكتوبر 2021 الذي استهدف تصفية ثورة ديسمبر المجيدة وفشل فكانت الحرب الماثلة كبديل له وإجراء مكمل لعملية التصفية التي ادمنت الفشل. كذلك لا تستطيع قيادة الجيش المختطف المحددة لطبيعته دوره الاجتماعي أنه منخرط في العملية السياسية وأنه ابتعد عن دوره الدستوري والقانوني العسكري المحض، ليسيطر على السلطة ويبني مؤسسات غير دستورية، ويعدل الدستور بشكل غير شرعي ، ويسيطر على البنك المركزي دون شرعية ، ويمثل الدولة المضمحلة وفي طور التلاشي دولياً، ويشرع القوانين، ويفقد القضاء استقلاله ويوظفه ضد خصوم الحركة الإسلامية المجرمة سياسيا، ويمارس العداء لقوى سياسية وينشر دعايته السياسية ضدها، ويبني دولة استبدادية لا تسمح بالمعارضة السياسية ولا نقد سياساته، ويعيد الفلول إلى مواقعهم في جهاز الدولة ويتبنى خطهم السياسي بشكل واضح لا يخفى حتى على اعمى العينين والبصر صحيح البصيرة. والقبول بالتحالف مع مثل هذا الجيش، هو قبول بتغيير دور الجيش وتحويله إلى حزب سياسي بدلا من مؤسسة عسكرية، وقبول بإنخراط الجيش في العملية السياسية من مواقع التطفل الاقتصادي والانتماء لمشروع الرأسمالية الطفيلية والدفاع عنها وعن تمكينها، وكذلك قبول بالانقلابات العسكرية كوسيلة لاستلام السلطة والبقاء فيها بدعاوى حرب الكرامة ضد المليشيا الإرهابية التي خرجت من رحمه كما كانت تقول القيادة الانقلابية، وفوق ذلك قبول بالسياسات التي تنفذها سلطة الأمر الواقع والتي سنعرض لها تفصيلا في المقال القادم.
ولا نظن أننا في حاجة للقول بأن التحالف مع اي شريحة من شرائح الرأسمالية الطفيلية هو تحالف معادي لشعبنا، الذي ضاق الأمرين من الإفقار والاستبداد على يد هذه الرأسمالية الطفيلية الإسلامية لمدة ثلاثين عاما من الإنقاذ المزعوم ومازال، كما أننا لسنا في حاجة للتأكيد بأن الجيش المختطف بصفاته المنوه عنها أعلاه لم يعد مؤسسة عسكرية تستمد احترامها ووقارها من مهنيتها واحترافيتها وقيامها بدورها العسكري فقط لا غير، بل تحول لمؤسسة اقتصادية تمارس التطفل على العملية الإنتاجية وتبني اقتصاد تمكين مواز تسيطر عليه الحركة الإسلامية المجرمة ، وتنخرط في السياسة من مواقع الدفاع عن التمكين وعن مكتسباتها الاقتصادية غير المشروعة. وحتى تكف قيادة الجيش عن ذلك وتعود إلى ثكناتها وتسلم السلطة للمدنيين من الثوار تطبيقا لشعار ثورة ديسمبر المجيدة، وتبتعد عن السياسة والنشاط الاقتصادي، يصبح نقدها مشروعا كتنظيم سياسي فاعل في الحياة السياسية، ولا يجوز لها ادعاء قداسة لا تملكها، تتوارى خلفها بزعم أنها عسكرية ونشاطها ليس عسكريا بل سياسي واقتصادي. فالمطلوب هو التمسك بحق نقد ومعارضة اي تنظيم سياسي كحق مشروع لأي مواطن، ومنع قيادة الجيش المختطف غير الشرعية التي حولته إلى تنظيم سياسي ومؤسسة إقتصادية، من إضفاء قداسة على نفسها وتكميم الأفواه للاستبداد بالسلطة، وإفهامها ان إيقاف نقدها سياسيا وليس عسكريا، سوف ينتهي بمجرد امتثالها لشعار ثورة ديسمبر المجيدة ” الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل”.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
6/6/2025