الهجوم الإيراني الذي أصاب مجمع “بازان” في ميناء حيفا بضربة صاروخية تجاوزت كونها ناجحة، إلى تحوّل نوعي في طبيعة الردع الإيراني، ورسالة مباشرة مفادها: الاقتصاد الإسرائيلي بات ضمن قواعد الاشتباك.
ففي لحظة واحدة، اشتعلت النيران في واحدة من أكثر المنشآت حساسية في البنية التحتية للطاقة الإسرائيلية، وهي المصفاة المركزية التي تُنتج ما يقارب 200 ألف برميل يوميًا من المشتقات النفطية والبتروكيماويات. وتُشير الأضرار الموثّقة حتى الآن إلى توقف جزئي أو كلي في عمليات الإنتاج، ما يعني استنزافًا فوريًا للقدرات التشغيلية في الشمال، وخللًا حقيقيًا في سلاسل التوريد الحيوي لإسرائيل.
من زاوية الأمن القومي، لا تكمن خطورة الضربة في الأثر الاقتصادي فقط، بل في أن هذه المنشأة تُعد نقطة ارتكاز لوجستية للجيش الإسرائيلي، وخاصة سلاح الجو، الذي يعتمد على نوع خاص من الوقود العسكري يتم تكريره في هذا الموقع بالتحديد. أي ضرر واسع أو طويل الأمد في المصفاة يعني تعطيل قدرة القوات الجوية على تنفيذ عمليات مستمرة أو ممتدة، أو على الأقل خلق اختناقات في التزود، وهو ما يُعد اختراقًا عميقًا لمفهوم “جاهزية الرد السريع”، لدن إسرائيل.
وبالمنظور الاستراتيجي، فإن الضربة تفتح بابًا جديدًا في المواجهة: نقل الصراع إلى مستوى البنية التحتية الحيوية، واستهداف ما يُعرف في أدبيات الأمن بـ”نقاط الاختناق الاستراتيجية” (Strategic Chokepoints)، حيث لا تكون الدولة مستهدفة عسكريًا فقط، بل اقتصاديًا ولوجستيًا ومجتمعيًا دفعة واحدة.
ما هو الأثر الفوري؟
•انخفاض في القدرة التشغيلية لمنشآت الدولة.
•ضغط متسارع على المخزون الاستراتيجي للطاقة.
•خسائر مالية تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات يوميًا.
•انكشاف استراتيجي لمنطقة الشمال أمام موجات استهداف مستقبلية.
الأهم من كل ذلك، أن إيران عبر هذه الضربة، لم تُرد فقط على استهداف منشآتها النووية، بل اختارت بعناية هدفًا يُحدث اضطرابًا مركبًا: أمنيًا واقتصاديًا ونفسيًا. وهذا التحول يُشير إلى أن الحرب القادمة — أو الجارية بالفعل مع أنها لا تزال حتى مجرّد اشتباكات— لن تكون فقط على منشآت عسكرية أو نووية، بل على البنية التحتية الوطنية بصفتها مركز ثقل الدولة الحديثة.
وإذا استمر هذا النوع من الضربات، فسيجد صانع القرار الإسرائيلي نفسه أمام معادلة جديدة:
ليس كيف ترد، بل كيف تحمي شرايينك.
بعبارةٍ أخرى قد تكون هذه أوجع ضربة وجهتها إيران لإسرائيل منذ بدء الاشتباكات المسلحة، فكانت طهران هي التي خسرت الكثير – في حساب الربح والخسارة- حتى الآن، وضرباتها منذ بداية رد العدوان كانت مثيرة، لكنها غير موجعة كالضربة الأخيرة لحيفا ومينائها.
الآن فقط يُمكن القول إنّ إيران دخلت في الحرب متجاوزًا الخطوط الحمراء والتوقعات الإسرائيلية من ردودها.
أو كما قال مسؤول إيراني ليلة أمس: من الآن فصاعدًا، هي مدني بمدني، جندي بجندي، ومصفاةٌ بمصفاة”.