أغنيات الفصحى (2)

فيصل محمد صالح 

كما قلنا من قبل، ليس هناك من فنان سوداني لم يغني بالفصحى، كثرت أو قلت أغانيه. الفنان سيد خليفة أيضا من أكثر الفنانين الذي غنوا بالفصحى، لكنه مع الاسف، تم حصره في أغنيتين “ازيكم”..و”البامبو السوداني”. هما أغنيتان جميلتان، لكن من الظلم لمن غنى ” أنت السماء بدت لنا…واستعصمت بالبعد عنا” أن يتم حصره هنا.

غنى سيد خليفة للتجاني يوسف بشير أنشودة الجن”..” قم يا طرير الشباب، غني لنا غني، يا حلم يا مستطاب، أنشودة الجن، أقطف لى الأعناب..وأملأ بها دنّى، من عبقرى الرباب..أو حرم الفنّ، صح فى الرّبى والوهاد..واسترقص البيدا، واسكب على كل ناد..ما يسحر الغيدا، وفجّر الأعواد..رجعا وترديدا، حتى ترى فى البلاد..من فرحة عيدا”. وهو من غنى لإدريس جماع “أعلى الجمال تغار منا..ماذا عليك إذا نظرنا”.. وغنى له ..” ليس لى غير إبتساماتك من زاد وخمر،..بسمة منك تشع النور فى ظلمات دهري، وتعيد الماء والأزهار فى صحراء عمري، ثم ضاع الامس مني..وانطوت بالقلب حسرة” – ربيع الحب. 

وطوف سيد خليفة على ديار حسن عوض أبو العلا وغنى ” ولى المساء الواله المحزون في جوف الضباب..وأنا أهيء زينتي وأعد مفتخر الثياب، آملا لقياك الحبيبة..يصدني زهو الشباب”..ولشاعر غير معروف “من أنت يا حلم الصبا..من أنت يا أمل الشباب”، وغنى لصلاح عبد الصبور عند ملتقى النيلين ” هذا الأزرق العاتي ..تدفق خالدا حرا، وهذا الأبيض الهادي..يضم الأزرق الصدرا، لا انفصلا ولا انحسرا..ولا أختلفا ولااشتجرا، ولا هذى ولا تلك..ولا الدنيا بما فيها، تساوى ملتقى النيلين..في الخرطوم يا سمرا”.

في بعض الحكايات الغبية أن وردي بدأ الغناء بـ “يا تير يا تاير”..ووردي عندها كان قادما من شندي التي عمل بها معلما في مدارسها، فهل هل هناك غباء أكثر من هذا..؟ وهو من وقف يغني لمرسي صالح سراج يتيمته ” هام ذاك النهر..يستلهم حسنا، فإذا عبر بلادي ..ما تمنى، طرب النيل لديها..فتثنى”. قلتها مرة للإمام الصادق المهدي..فوقف عندها وهو يتعجب، وطلب مني أن أكتبها له، وقال..سمعت الأغنية ولم أتوقف عند هذا المقطع العجيب، وهي الاغنية الوطنية المعروفة بعنوان “يقظة شعب” ..” نحن أبناء ملوك في الشمال..توجوا الفونج وزانوا كردفان، أفسح المجد لهم خير مكان، نسبا نعم أجداد بهم يزهو جبين، خلق يسمو وعزم لا يلين، شرقنا يوم اللقاء كيف دعا، حين داعي البذل بالروح دعا، كيف بالسيف تحدى المدفعا، ودماءا بذلوها ذرة لا تستكين، للخنا للقيد للعيش المهين”…أو لا يحق لمن غنى هذا أن يكنى بسيد الفصاحة..؟ ثم هو من غنى للشاعر جيلي عبد المنعم في مرحبا..يا شوق ” بالذي أودع في عينيك إلهاما وسحرا، والذي أبدع فيك الحسن اشراقا وطهرا، لا تدعني للأسى يدفعنى مدا وجزرا، أثقلت كفي الضراعات وما تقبل عذرا” ..ولا حول ولا قوة إلا بالله .وستجد الفصحى عند وردي واضحة جلية في “الحبيب العائد” وفي الاغنيات الاكتوبرية ..”أكتوبر الاخضر”..و” من غيرنا يعطي لهذا الشعب”.. ثم وهو يبدأ بمقدمة علي عبد القيوم النارية ..” أيُّ المشارقِ لم نغازل شمسها، ونميط عن زيف الغموض خمارها، أى المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها، أى الأناشيد السماويات لم نشدد..لأعراس الجديد بشاشة أوتارها”..فيزلزل الميدان الشرقي لجامعة الخرطوم في أول ظهور له بعد الانتفاضة عام 1985.

وغنى صلاح ابن البادية لأبو آمنة حامد “شعرها الذهب”..ووشوشني العبير..” إن تكن أنت لم تزل، يوم بدر المنى اكتمل، نحن شلناك فى المقل، وقعدنا على اللّهب..”..وما من كلمة كانت ستقعد المعنى الذي أراده أبو آمنة مثل “شلناك”. كما غنى ابن البادية واحدة من أجمل أغانيه للهادي العمرابي ” أكثرت فى هجرى وكان الظن ان تترفقا، ووعدتنى بالعطف لكن قد نسيت الموثقا، غيرت فكرى بالبعاد وكان قربك مطلقا، اذكر على بعد الديار حديثنا فى الملتقى”..”أين مي”.

أما عثمان حسين فهو سيد العامية المفصحة، بعض أغنياته كاملة بالفصحى، مثل “اللقاء الأول” لقرشي، “أنا والنجم والمساء”..لبازرعة، وهي حبيبة إلى نفسي لأنها تقودني لكورنيش بورتسودان “..يا ربى البحر أشهدي..هاهنا كان موعدي..وهنا كان مقعدي..” وقيل لنا أن مكان اللقاء كان قرب كشك “جنة الشاطئ” وهذا يعرفه العجائز المخضرمون من أهل بورتسودان. وغنى “أفديك بالروح يا موطني” وللتجاني يوسف بشير ” أنت يا نيل يا سليل الفراديس”. 

غير هذا فإن معظم أغنيات بازرعة لعثمان حسين هي من نوع العامية المفصحة، إذ يتحرك ببساطة بين المسافتين..وبلا تكلف ..أسمع ” لا وحبك..لن تكن أبدا نهاية”..أو “استحلفك أترك سبيلي” في ” قصتنا”.

وغنى زيدان إبراهيم لإبراهيم ناجي ..” داوي ناري والتياعي..وتمهل في وداعي، يا حبيب الروح هب لي..بضع لحظات سراع” ولمهدي محمد سعيد ” حبيب ما سألناه..ولكنا هويناه”. وجرب أبوعركي البخيت كل أشكال الفصحى بدءا من سيرة المجذوب ” البُنيّاتُ فى ضرام الدلاليك، تسترن فتنةً وانبهارا، من عيونٍ تلفّتَ الكحلُ فيهنّ، وأصغى هُنيهةً ثمّ طارا” ، إلى “بعض الرحيق أنا” لمحمد المكي إبراهيم، لمحمود درويش والفيتوري.

وغنى عبد القادر سالم “مال واحتجب، وادعى الغضب، ليت هاجري..يشرح السبب”.. وهي لأمير الشعراء أحمد شوقي، وقد غناها كاظم الساهر أيضا.

وغنى محمد الأمين لنزار قباني ” طائشة الضفائر” ، كما غنى حمد الريح لنزار أيضا “لو يسألوك يوما لماذا قصصتي شعرك الطويل، قولي لهم بكل كبرياء..لأن من يحبني، يحبه قصيرا”. 

وغنى لصلاح أحمد إبراهيم “مريا” ولعبد الواحد عبد الله، شاعر “اليوم نرفع راية استقلالنا” أغنية يتيمة “أحبابنا أهل الهوى”. وغنى العاقب محمد حسن ” يا حبيبي ظمأت روحي وحنت للتلاقي..وهفا قلبي إلى الماضي وناداني اشتياقي”.. للشاعر المصري مصطفى عبد الرحمن، وهو شاعر أنشودة “أمة الامجاد”.

هذا غيض من فيض، والنماذج كثيرة، حتى فنان الطمبور صديق أحمد جرب أيضا أن يغني من كلمات شاعره وصديقه عبد الله محمد خير “غدا يا حلوتي سأراك تبتسمي، وفي أعماق أعماقي سترتسمي، سأفعل كل ما يرضيك رغم تغول العدم، سيدفعني الهوى وسوف أحطم الصنم.”.

Exit mobile version