في ذم التحالف مع الجيش المختطف-(٤)

د. أحمد عثمان عمر 

التحالف مع الجيش المختطف يعني قبولا غير مشروط بإنخراط الجيش في العمل السياسي بالمخالفة لقانونه المؤسس ووظيفته الدستورية، ومباركة تحوله إلى حزب سياسي بدلا من مؤسسة عسكرية، وشرعنة لانقلاباته تماما كما فعل (المؤسس) زعيم تجمع (صمود) حينما شرعن انقلاب اكتوبر 2021م عبر اتفاقه مع قائد الجيش غير الشرعي بعد الانقلاب، وعمله كرئيس وزراء الانقلاب لفترة قبل استقالته. والانقلاب المذكور الذي يعتبر تقويضا للنظام الدستوري حسب القانون الجنائي وتمردا حسب النظام العسكري، تم عبر تعديلات غير دستورية للوثيقة الدستورية المعيبة، قررها قائد الجيش غير الشرعي، الذي لا يملك سلطة التشريع العادي ناهيك عن التشريع الدستوري، حيث تنص الوثيقة الدستورية المعيبة على سلطة حصرية للمجلس التشريعي لتعديل الدستور بأغلبية خاصة وليست عادية. والتعديلات غير الشرعية شملت تجميد مواد الدستور المتعلقة بمجلس السيادة ومجلس الوزراء، والمادة الخاصة بتحالف الجيش المختطف مع الجناح التسووي في قوى الحرية والتغيير (قحت) التي أصبحت (تقدم) وانتهت بعد الانقسام الأخير إلى (صمود)، كما شملت مخالفة مباشرة للمواد المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ التي تستلزم قرارا من مجلس السيادة بعد توصية من مجلس الوزراء. وإثر ذلك قام الجنرال الانقلابي بحل مجلس السيادة ومجلس الوزراء ، وتعيين مجلس سيادة للانقلاب مع الفشل في تعيين مجلس وزراء، ليستأثر بالسلطة التنفيذية والتشريعية فوق السيطرة على الهيئة القضائية غير المستقلة، وسيطر بذلك على جهاز الدولة ليخلق سلطة استبدادية لفرد يعمل كواجهة لسلطة التمكين الخاصة بالحركة الإسلامية المجرمة، ليعيد المفصولين من الخدمة في إطار إزالة التمكين إلى مواقعهم ويحكم سيطرة الحركة الإسلامية المجرمة على جهاز الدولة. ومن يتحالف مع الجيش المختطف، يشرعن هذا الانقلاب حتماً، ويتحالف مع الحركة الإسلامية المجرمة المسيطرة على الجهاز التنفيذي والقضائي وكذلك على عملية التشريع عبر الجنرال الانقلابي المزمن، ولا يستطيع أن ينكر خدمة الجيش المختطف لتلك الحركة ومشروعها السياسي وتمكينها، أو أن يفصل بينها وبين قيادة الجيش المختطف التي تحدد هويته الطبقية عبر سلسلة الأوامر والقيادة. 

وبالطبع الاعتداء على الوثيقة الدستورية المعيبة لتكريس سلطة الإنقلاب لم يقتصر على ما سبق، بل تعداه ليشمل تعديلات صدرت مؤخراً يمكن تلخيص الملاحظات حول الوثيقة التي اصدرتها فيما يلي:

١- نصت الوثيقة في ديباجتها على أنها صادرة عملا بأحكام الوثيقة الدستورية، وهذا بالطبع مستحيل، لأن الوثيقة الدستورية لا تعطي أي جهة غير المجلس التشريعي بأغلبية الثلثين، الحق في تعديل الوثيقة الدستورية. فمجلسي السيادة والوزراء مجتمعين، لا يملكان الحق في تعديل الوثيقة الدستورية المعيبة، لأن سلطتهما الممنوحة بموجب المادة (24)، تقتصر على تشريع القوانين فقط في غياب المجلس التشريعي، ولمدة تسعين يوما انقضت منذ سنوات. وتعديل الوثيقة المعيبة مخصص له المادة (٧٨)، التي قصرت الحق في التعديل على المجلس التشريعي وبأغلبية خاصة. وحقيقة أن المكون المدني في السلطة شبه المدنية المتمثل في التيار التسووي الذي أوردنا موارد الهلاك قد شارك في تعديل الوثيقة المعيبة لاستدخال إتفاق محاصصة جوبا، لا تعطي المجلسين الحق في اختطاف سلطة التعديل ولا تضفي أي شرعية، لأنها سابقة غير دستورية وغير شرعية.

٢- بإفتراض – مجرد إفتراض لا نسلم به- أن للمجلسين الحق في تعديل الوثيقة المعيبة، فإن المجلسين المعنيين ليسا موجودين الآن، فالإنقلابي المزمن قام بحلهما بموجب بيان انقلاب أكتوبر 2021م، وكون مجلس سيادته الحالي دون أن يكون له سلطة الحل أو التكوين، في مخالفة واضحة لنصوص الوثيقة المعيبة، وارتكاب لجريمتي تقويض الدستور والتمرد المنصوص عليهما بالقانون الجنائي وقانون القوات المسلحة. وهذا يعني أن من أصدر هذا التعديل غير ذي صفة، وغير ذي شرعية لإصدار التعديل الماثل، حتى وإن أعطينا المجلسين الحق في إصدار التعديل تجاوزا. 

٣- استحدث التعديل نصا خاصا بمصادر التشريع، للتأسيس للدولة الدينية الاستبدادية مجددا، بعد أن تخلصت الوثيقة المعيبة من هذه البدعة غير الحميدة. فالنص على ان مبادئ الدين الإسلامي ومصادر تابعة له أخرى هي مصدر التشريع، يعني عودة دولة التمكين كاملة غير منقوصة في الفترة الإنتقالية المزعومة الممدة. وذلك لأن من يشرع هو الحركة الإسلامية المجرمة، والتي ستشرع وفقا لفهمها هي لمبادئ الدين الإسلامي، هذا في حال إفتراض أن المصادر المذكورة متكافئة، ناهيك عن أنها ليست كذلك، بإعتبار أن القيم والأعراف محكومة بنصوص التشريع في الشريعة الإسلامية، وأن الشريعة تضع الأديان الأخرى كحاكم للأحوال الشخصية فقط، والتوافق الشعبي هو آلية للتشريع وليس مصدرا له. فذكر مصادر التشريع هو حيلة لإقامة الدولة الدينية، ومجرد تكرار لما ورد بالمادة (٦٥) من دستور الإنقاذ في العام ١٩٩٨م، وهذا وحده يفضح طبيعة التشريع والمشرع.

٤- مددت التعديلات حكم سلطة الأمر الواقع غير الشرعية لتسعة وثلاثين شهرا قادمة، في إطالة لعمر الإنقلاب وتكريس للتمكين، واشترطت لإنهائه قيام توافق مستحيل قيامه، أو الإتجاه للإنتخابات. وبذلك حاولت شرعنة الإنقلاب الميت مجدداً، وتمديد عمر الدولة الدينية الاستبدادية وحكم العسكر لسنوات قادمة، تنتهي بإدارتهم هم لانتخابات مسيطر عليها، تفرض الحركة الإسلامية المجرمة على الشعب السوداني وتؤكد إستمرار التمكين، فتأمل!!

والتحالف مع الجيش المختطف يعني القبول باستمراره في السلطة للفترة الانتقالية الممدة أو بالأحرى إلى ما لا نهاية عبر زعم عدم وجود توافق لقيام انتخابات، أو عبر ترتيب انتخابات مسيطر عليها تقود إلى استمرار سلطته وسلطة الحركة الإسلامية المجرمة المسيطرة عليه. وفي هذا السياق يأتي تعيين الجنرال الانقلابي المزمن لرئيس وزراء بصورة غير شرعية لأنه لا يملك سلطة التعيين دستوريا بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة قبل تعديلها بصورة غير دستورية، حتى يشكل حكومة تابعة تبعية مطلقة له، وسلطة تنفيذية تعمل كواجهة لسلطته الانقلابية غير الشرعية. وهي حكومة كالمنبت لا ظهرا أبقى ولا ارضاً قطع، لن يحصد منها المواطن شيئا غير تسويق الوهم، هذا في حال النجاح في تكوينها، بعد قبول شروط حركات محاصصة جوبا الموضوعة فوق الدستور عند التعارض، والتي تم على اساسها تحويل بعض الوزارات لمستعمرات لهذه الحركات وممتلكات خاصة لها. 

والمطلوب هو رفض تدخل الجيش في السياسة بشكل مبدئي وصارم، حتى بعد اعادة هيكلته وتكوينه وتحويله لجيش مهني خال من عناصر الحركة الإسلامية المجرمة، والإصرار على ان يعود العسكر للثكنات كما طالب ثوار ثورة ديسمبر المجيدة. 

وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!

20/6/2025

Exit mobile version