أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بلهجة احتفالية، التوصل إلى اتفاق كامل بين إسرائيل وإيران على وقف شامل لإطلاق النار، يُفترض دخوله حيز التنفيذ بعد نحو ست ساعات، ريثما تُنهي الأطراف “مهامها النهائية الجارية”. لكنه إعلانٌ يخفي خلفه ألغامًا استراتيجية أكثر مما يبشّر بحل دائم.
في الظاهر، تُغلق هذه الهدنة جولة تصعيد خطيرة وغير مسبوقة منذ خمسين عامًا، حين قصفت إيران عمق إسرائيل، وأصابت مواقع عسكرية ومدنية، منها تل أبيب وحيفا، دون أن تُقابل هذه الضربات بردعٍ مؤلم من الطرف الآخر، لا على مستوى سقوط قيادات، ولا بخسائر استراتيجية حقيقية لإسرائيل. وهذا ما يُبقي الباب مفتوحًا على مصراعيه لتكرار السيناريو في أي لحظة، متى ما قررت تل أبيب – بشكل أحادي – أن “الخطر الإيراني النووي” عاد للواجهة.
في المقابل، تُدرك طهران أنها ليست في موقع يسمح لها بالاستنزاف طويل الأمد، خاصة بعد اختراقات أمنية طالت مفاصل الدولة، ونجاحات استخبارية إسرائيلية أربكت منظومتها الدفاعية في الضربة الأولى. وبالتالي، تبدو الهدنة خيارًا عقلانيًا لإيران في هذا التوقيت، لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترميم دفاعاتها، واستيعاب الاختراقات التي كشفت عن هشاشة في شبكتها الأمنية والعسكرية.
لكن خلف هذا الاتفاق، تتكاثر الأسئلة الصعبة التي لا يبدو أن واشنطن، ولا تل أبيب، تملك إجابات صريحة عليها:
أولًا، تصرّ الولايات المتحدة على أن وقف الحرب ينبغي أن يتبعه استئناف للمفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، فهل هذا يعني ضمنيًا أن الضربات الأخيرة لم تُنهِ قدرة إيران النووية كما زُعم؟ وإن كان الأمر كذلك، فلماذا التفاوض على مشروع تم تدميره؟ إلا إذا كان العمق الجبلي لمواقع مثل فوردو ونطنز ما زال صامدًا، ويدرك الغرب أن المشروع قابل للاستئناف السريع.
ثانيًا، ماذا لو عادت إيران إلى تأهيل علمائها النوويين واستئناف دورة التخصيب؟ هل ستكرر إسرائيل مسلسل الاغتيالات وفتح الاشتباك كما فعلت قبل أسبوعين أو منذ عقد؟ وهل سنعود مجددًا إلى اشتباكات عابرة للحدود؟ أم أن المعادلة لن تُغلق دون ضمان قوة ردعٍ حقيقية تجعل إسرائيل تُفكر مرتين قبل شن ضربة جديدة؟ باختصار: لا نهاية لهذا الاشتباك ما لم تُدرك إسرائيل أن كلفة الحرب أغلى من كلفة السلم.
ثالثًا، لمن يخدم هذا الإعلان بالدرجة الأولى؟ هل لحماية صورة إسرائيل التي بدت مرتبكة أمام ضربات مباشرة لأول مرة منذ نصف قرن، ولحماية “القبة الحديدية” التي أثبتت أنها مثقوبة أكثر مما يُروّج لها؟ أم لحماية حلفاء واشنطن في الخليج الذين باتوا في مرمى الصواريخ الإيرانية، كما أظهرت الهجمات الرمزية على قاعدة العديد في قطر؟ أم لقطع الطريق أمام روسيا والصين من استثمار الحرب في استنزاف أميركا عسكريًا وسياسيًا؟ وربما أيضًا، استجابة لضغوط داخلية في الولايات المتحدة، حيث بدأت بعض أصوات حركة MAGA تهاجم ترامب، وتتهم إسرائيل بأنها تجرّ واشنطن مجددًا إلى حروبها الخاصة.
في كل الحالات، من الواضح أن وقف إطلاق النار ليس لحسابات أمريكية تخص إيران، أم هي محاولة لتجميد تصعيد بات يُهدد المصالح الغربية برمتها، لأن الإعلان لا تقدم أيّ ضمانات حقيقية لإيران بعدم تكرار الاعتداءات. وبالتالي، يبقى السؤال الجوهري: هل كانت هذه الهدنة لإنهاء الحرب… أم لشراء الوقت لإعادة ترتيب مسرح العمليات من جديد؟