من أدبنا الشعبي السوداني.. “شتلوك وين يا عنب في جنينة البلدية”؟

مشاوير - د. سلوى المشلي

كتبت في السابق عن كثير من مواد الأدب الشعبي يمكنها أن توثق للتاريخ مثل اللولاي أو الألعاب الشعبية كما في لعبة:” القشة ام خضيرة” ، واليوم أقدم نموذج لأوثق من اغنيتين وأوبريت عن حديقة اندثرت وضاعت من ذاكرة مدينة بحري وطواها النسيان.

 كتير من المناطق الطبيعية الجميلة التي استمتع بها الناس فترة من حياتهم ولهم فيها ذكريات جميلة حلت محلها المباني ولم يعد لها حتى ذكرى ليعرفها الاجيال الجديدة منها جنينة الحيوانات القديمة بشارع النيل بالخرطوم ، ونموذج آخر (جنينة البلدية) بحلة حمد بمدينة بحري والتي كانت لها (شنة ورنة) في زمانها و الذي كُتٍب عنها قليل جدا كدم الحجامة، وذكرياتي بها مع جدي مكي صادق والأسرة وانا طفلة لعبت فيها عندما كان يأخذنا للترفيه والاحتفال فيها بعيد شم النسيم، وكان قد استقر اليونانيون والأرمن، 

والأقباط المصريون بحلة حمد وشيدت لهم كنيسة ماري جرجس (لأداء شعائرهم الدينية و كثيرا ما شاركناهم الاكليل في زيجاتهم كأهل بالجيرة) بالقرب من كبري الملك نمر الحالي وكانوا يحتفلون بشم النسيم في اليوم التالي لعيد الفصح المسيحي الشرقي (اتباعا لتقاليد الطائفة القبطية المسيحية الأرثوذكسية) وعلى الرغم من ارتباطه بالمسيحية شم النسيم عيد يحتفل بها المصريون وغيرهم، لذلك يعتبر تقليد مصري انتقل الينا يحتفل به معهم جيرانهم المسلمين كيوم للتنزه والمقيل من الصباح للمساء في جنينة البلدية على النيل يتناول في هذا اليوم الفسيخ والبصل الأخضر والجرجير، والبيض المسلوق الملون.

جنينة البلدية :

في عام 1921تم تأسيس بلدية مدينة الخرطوم بحرى( تقع من الناحية الشمالية لمدينة الخرطوم وأحد أضلاع العاصمة المثلثة السودانية، مدينة الخرطوم التي تقع جنوبها، و مدينة أم درمان تقع من الناحية الغربية لها)، وفي موقع:” نادي الكدرو الثقافي الاجتماعي الرياضي”كتب مقال :”عن تاريخ ملاعب الخرطوم الرياضية”، وأن ملعب وحديقة (جنينة) بلدية بحري أنشأها الجيش الانجليزي 1948م ثم أزيلت في عهد الرئيس جعفر محمد نميري وشيد في مكانها فندق قصر الصداقة”.

 وكانت جنينة البلدية تلاصق ملعب البلدية وهي حديقة عامة مساحتها واسعة على شكل هلال مطل على النيل الازرق غربها، تقام عليها الاحتفالات بالمناسبات والاعياد وبها مسرح قبلة للفنانين والشعراء ومتنزه لأهل بحري.

توثيق لجنينة البلدية:

ربما موجودة في خرائط قديمة من زمن الانجليز؟ ولكنها موجودة في أدبنا الشعبي فقد ذكرت جنينة البلدية في:

1/ اغنية شتلوك وين و زرعوك وين يا العنب:

و تسمى اغنية:” يا العنب” وهي أثر يحكي عن الجنينة البلدية التي كتبها الشاعر والكاتب :

مصطفى بطران: ولد في حلة حمد بمدينة بحري (1902ـ 1939م) عمل في السكة حديد بها ثم موظف بمجلس بلدية بحري وكان عاشقا للطبيعة وأطلق عليه الشاعر مبارك المغربي (الوصاف)، له عدد من الاغاني( اترك الاحلام يا جميل اصحى، ودمعة السوق كُبي، وعقلي انشغل بهواك، وزمن الربيع حلٌ، وأطرد الاحلام، وعزٌ وصالك)، لم يتزوج و توفي بداء السل و فاته في 1939م وهذا يعني أن جنينة البلدية أنشأت قبل ذلك التاريخ، وليس كما ذكر التاريخ 1984م كما في المقال السابق ذكره.

اغنية:” شتلوك وين و زرعوك وين يا العنب”، تغنى بها العديد من الفنانين عبد الحميد يوسف واحمد المصطفى وسيد خليفة وقسمة محمد مع ترباس، ومن الحديثين عاطف السماني وايمان الشريف وغيرها، نص الأغنية:

          أنا داير العنب أنا جافاني العنب أنا

          يا حلاتو وحلات جناه 

          جافاني العنب أنا وأذاني

         العنب أنا ما وأفاني العنب

          ماني ضامي العنب أنا

          شتلوك وين زرعوك وين يالعنب

          في جنة رضوان حارسينو العجمان

          دايرنو الطفلان

          في جنينة البلدية الساعة خمسة العصرية

           القماري حوالي القمري أحي ضاع لي 

تغنى متفردا الفنان عبد الحميد يوسف بالخمس ابيات الأولي منها وبقية الفنانين بدأ:”بشتلوك وين يا العنب” لخفتها في الإيقاع.

كتب مصطفى بطران الأغنية في زمن يندر فيه تواجد العنب ولعله يقصد به شفاة محبوبته التي شبهها بحوريات جنة رضوان التي لم يتزوجها وكان موعده لمقابتها الساعة خمسة العصرية ومن يحرسها أهلها العُجمان فقد كانت المنطقة حول أو بالقرب من جنينة البلدية يسكنها العجم من جنسيات لا تتحدث العربية من ارمن وغيرهم.

2/ اوبريت القروية:

تغنت به مجموعة من بنات مدرسة الإصلاح (فرقة زهرات توتي) بجزيرة توتي في (برنامج جنة الاطفال) بتلفزيون السودان، من تأليف عمر الضو ،، اخراج منير عبدالوهاب ١٩٧٤م، وهي قصيدة طويلة منها:.

         لا لا الليلة يا قروية

        أحيي متين اشوف الخرطوم

        يا ربي متين اشوف الخرطوم

        قالوا لى في الخرطوم جنينة البلدية

        و قالوا لي في الخرطوم الفُسحة بالعربية

         يا ربي متين اشوف الخرطوم

3/ اغنية آذاني سرف دمعي:

أورد طلال فيصل جزء من الأغنية وصورة لحديقة البلدية وأنها أنشأت في 1936م.

والأغنية التي ذكرها تغنى بها الفنان الشعبي صديق كحلاوي:

       أذاني سرف دمعي بلاني

       يوم التلات فى جنينة البلدية

        رايت خيالو وسط زهور بمبية 

        انا صابنى خفقان وسقطة قلبية

        متل الطيور تعبانه تلحن لي

         انا كل الروضه تسال عن سبب الاذية

                    وووب انا

وهكذا خلدت اغنيتي:” يا العنب ” ، و ايضا :”آذاني سرف دمعي”، و اوبريت:” القروية ” جنينة البلدية بمدينة بحري.

“مقالات في الاغاني والإيقاعات والرقصات الشعبية السودانية”، لسلوى عبد المجيد أحمد المشلي (كتاب غير منشور)، 2024. (*)

Exit mobile version