يعيش السودانيون أوضاعاً صعبة وقاسية بعد أن وجدوا أنفسهم في مواجهة أخرى أشد ضراوة مع الأوبئة الفتاكة، وفي مقدمها الكوليرا، التي خلفت مئات المصابين، ولقي العشرات حتفهم.
تتزامن هذه الأوضاع مع تدهور الصحة البيئية في مدن سودانية عدة بسبب تلوث المياه واختلاطها بالصرف الصحي وتراكم أطنان القمامة والنفايات ومخلفات الحرب.
نقص الرعاية الصحية
يقول الطبيب المتخصص في مكافحة الأوبئة عادل النور لمنصة (مشاوير) إن “المستشفيات والمراكز الطبية القليلة التي لا تزال تعمل تعاني محدودية القدرة على الاستجابة لمثل هذه الحالات الطارئة، وبهذا الحجم، بخاصة في أم درمان وولايتي الجزيرة وسنار، إذ تستقبل مستشفيات هذه المناطق نحو “70” حالة يومياً، في ظل نقص الكوادر الطبية والأسرَّة، إضافة إلى ندرة المحاليل الوريدية والمستلزمات الطبية”.
وأضاف أن “الأوضاع صعبة والتأخير في طلب المساعدة الطبية يعني أن عدداً من المرضى يتعرضون لخطر الموت في الطريق أو على أرضية المستشفيات عند وصولهم، وهناك نقص كبير في الخدمات العلاجية وصعوبة في تقديم المساعدات للمصابين.
وأوضح النور أن “مريض الكوليرا يحتاج يومياً إلى ما بين 6 و8 محاليل وريدية، ولا يستطيع مواطنون كثر توفير الفاتورة الاستشفائية، خصوصاً بعد نفاد المدخرات المالية وتوقف الأعمال اليومية وعدم صرف رواتب العاملين بالقطاعين العام والخاص لأكثر من عامين.
ويتابع الطبيب المتخصص في مكافحة الأوبئة، “وقف استقبال المستشفيات للمرضى نهائياً، سيناريو لا يستبعد أن تتسع رقعته في الولايات التي ينتشر فيها وباء الكوليرا، مما يهدد صحة الناس، كما أن انقطاع خدمات المياه والكهرباء يؤثر بصورة كبيرة على من يتلقون العلاج.
أزمات المستشفيات
تقول المواطنة نهلة حامد التي تسكن منطقة شمبات بالخرطوم بحري لمنصة (مشاوير) إن “الوضع الصحي في العاصمة كارثي ومأسوي، إذ توقفت غالبية المستشفيات عن العمل، إضافة إلى النقص في المعينات الطبية والأدوية، وكذلك لا تتوافر وسيلة لإنقاذ حياة المرضى بسبب انعدام الوقود ووسائل النقل.
وأضافت أن والدها نقل رفقة مئات المرضى الآخرين من مركز العزل في أم درمان إلى مستشفى أمبدة الذي يعاني انعدام معينات الحياة كالأكل والشرب والكهرباء، كما يصعب ازدحام المرضى والمرافقين تقديم الخدمة لمن يحتاجون إليها.
وأوضحت حامد أن “ستة مرضى توفوا خلال يوم واحد بسبب نقص المحاليل الوريدية وعجز أسرهم عن توفير الأدوية، كما أن الأوضاع الصحية لعشرات الحالات مقلقة إلى حد كبير.
انحسار وتحسن
في السياق قال وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم إن “الوضع الصحي في البلاد يشهد تحسناً متواصلاً، إذ بدأت السيطرة على وباء الكوليرا بدعم الدولة وحكومة ولاية الخرطوم والمنظمات الدولية.
ونوه بأن “موقف الإمداد الدوائي بمدن العاصمة الثلاث، أم درمان وبحري والخرطوم، يكفي لمجابهة الوباء، بخاصة بعد وصول 150 طناً من المحاليل الوريدية، علاوة على تنفيذ حملات تطعيم في مدن السودان كافة.
وتوقع إبراهيم “انحسار الكوليرا وفقاً للتدخلات المتكاملة التي تنفذها وزارة الصحة وحكومة ولاية الخرطوم لمحاصرة الوباء من خلال أداء الكوادر العاملة بمراكز العزل والتدابير الوقائية وإصحاح البيئة”.
تضارب الأرقام
في غضون ذلك سجل تضارب كبير في الأرقام المعلنة لحالات الإصابة والوفاة جراء تفشي وباء الكوليرا، فقالت وزارة الصحة بالخرطوم إن عدد الإصابات بالكوليرا بلغ 2729 حال بينها 172 وفاة خلال أسبوع، بينما ذكرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، بأن الحالات في مدينة أم درمان وحدها وصلت إلى 1335 إصابة و500 وفاة.
في المقابل كشف بيان لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) عن تضاعف حالات الكوليرا في الخرطوم 10 أضعاف، إذ ارتفعت من 90 حالة إلى 815 حالة يومياً خلال 10 أيام فقط في الفترة من 15 إلى 25 مايو الجاري، وأشارت إلى أن “مليون طفل في ولاية الخرطوم يواجهون خطر الكوليرا”.