الجرتق طقس سوداني يتوّج العرسان ملوكاً في ليلة العمر

كسلا - مشاوير: سوسن محمود خليل 

في قلب الطقوس السودانية الأصيلة، يتربع “الجرتق” كأحد أقدم وأجمل العادات المتوارثة، التي تمنح ليلة الزفاف طابعاً ملكياً لا يُضاهى. هذا الطقس الشعبي، المتجذر في عمق التاريخ والموروث الثقافي، لا يقتصر على الزينة والاحتفال، بل يحمل رمزية غنية ترتبط بالفأل الحسن والذرية الطيبة والحماية من الحسد والعين.

 ما هو الجرتق؟

“الجرتق” ليس مجرد احتفال، بل هو تتويج رمزي للعريس والعروس كملك وملكة في ليلة زفافهما. يُقام الجرتق في مراسم الزواج، وأحياناً عند ختان الصبيان، ويُعتقد أنه يُبعد الطاقات السلبية ويجلب البركة والخير.

 

 الجذور اللغوية:

يعود أصل الكلمة إلى اللغات المروية القديمة، حيث تتكون من:

(Qor) 

وتعني الملك

و(Tig)

 وتعني يجعل

ليصبح المعنى: “ليكون ملكاً”.

 

أين يُمارس الجرتق؟

ينتشر طقس الجرتق في شمال ووسط السودان النيلي، وخصوصاً بين القبائل الجعلية مثل الجعليين، الشايقية، المناصير، والرباطاب. بينما تغيب هذه العادة عند القبائل البدوية الا ان مؤخراً أصبح عند البجا في شرق السودان وبعض مجتمعات كردفان ودارفور.

 

️ عنقريب الجرتق

العنقريب ليس مجرد مقعد، بل هو عرش مصغر مزخرف بالأحمر والأصفر، يُفرش عليه برش خاص وسجاد ملون، ويُجلس عليه العروسان متقابلين. في الموروث السوداني، يُشبه العنقريب بمقعد الحكماء والملوك.

 

 صينية الجرتق

تحفة تراثية تضم كل ما يلزم للطقس:

عطور مثل “الضريرة” (صندل، محلب، مسك)

“الربعة” و”المبخر”

سلاسل وخواتم، أبرزها السبحة والهلال الذهبي وخاتم الجنيه و أحجار كريمة وخيوط حريرية ويُعتقد أن لهذه المواد قدرة على طرد الشر وجذب الخير.

 

 سر اللون الأحمر

من المثير أن اللون الأحمر يطغى على كل تفاصيل الجرتق: من البرش إلى الفستان، ومن العطور إلى الزينة

 لماذا؟ لأنه يُمثل لون الدم والحياة، ويرمز للحماية من الأرواح الشريرة في المعتقدات القديمة.

 

 زي العرسان

العريس يرتدي السُّرتي ويتوشح بالسيف والسوط، مزيناً بجبهته هلالاً لامعاً.

أما العروس، فتتأنق بـ “فركة القرمصيص” وثوب أحمر، 

تتزين بـالجدلة والحُلي التقليدية مثل

( القمر بوبا ) والفدو و الحجل

 

 طقوس لا تُنسى

من أبرز الطقوس:

تبادل اللبن بين العروسين لسبع مرات

وضع رضيع ذكر سليم بينهما لرمزية الخصوبة

رش الحبوب على الحضور (قمح، سمسم، بلح…)

قطع “الرحط” المزين بالحلوى وربطه حول خصر العروس

 تنتهي المراسم برش الحاضرين بعطر فاخر إعلاناً لاكتمال الطقس!

️ أدعية وأناشيد:

مثل 

دقّر يا عين و يا بنينه هي بنني

 من التعاويذ التي تترافق مع طقس الجرتق، إضافة إلى الأغاني التراثية المعروفة مثل هذه “البنينة”، التي تزيد الأجواء بهجة وجمالاً

 

 الجرتق بين الماضي والحاضر

رغم تغيّر الزمن، وتداخل ثقافات الزواج الحديثة، لا يزال الجرتق يحافظ على هيبته وخصوصيته، خاصة في الأسر السودانية العريقة التي تعتز بتراثها .

Exit mobile version