هُنا في المَنفى .. حكايا “حجوة” تُداوي جراح الهوية في قلوب أطفال السودان

نيروبي - مشاوير: إدريس عبدالله 

على بساط الغربة الممتد، وفي أحضان العاصمة الكينية التي احتضنت أوجاع اللاجئين السودانيين ، يرتسم مشهدٌ آخر من فصول مأساة السودان؛ أطفالٌ صغار، أُلقي بهم قسرًا إلى مهب الريح، تتشابك أمام أعينهم خيوط الهوية والانتماء، في صراعٍ لا يقل قسوة عن لظى الحرب التي اقتلعتهم من جذورهم. وسط هذا التيه، تشرقُ بادرة أملٍ خجولة، ولدت من رحم المعاناة، حملت اسم “حجوة”، تسعى لزرع بذور السودان في تربة قلوبٍ يانعة، وتقديم ملاذٍ آمنٍ تُداوى فيه جراح الروح.

 

صرخة صامتة.. وبداية “وطن” تتشكل في “حجوة”

كانت القصة، كما ترويها سماح عركي، مؤسسة “حجوة”، ليست مجرد مشروع عابر، بل لحظةٌ مفصلية هزّت أركان وجدانها بعمق. في أحد البازرات السودانية بنيروبي ، بينما كانت تتجول، صادفها صديقٌ يصحبه طفله ذو السنوات الخمس. والداه سودانيان، أبٌ صحفي وأمٌ فنانة، لكن السؤال العادي الذي وجهته إليه سيدة كينية “أنت من وين؟”، كشف عن عمقٍ خفيّ. توقف الصغير، حائرًا، نظر إلى والده، ثم أشار إلى سماح، وأجاب بكلمة خافتة تكاد لا تُسمع: “السودان”. “تلك الكلمة التي بدت له مجرد ‘مبعثرة’، أوجعتني بشدة، وبقيت عالقةً في ذهني”، تقول سماح بمرارة. كانت تلك اللحظة، أشبه بـ”الشرارة الأولى”، التي كشفت لها حجم الارتباك الذي قد يعيشه الأطفال المهاجرون في تحديد هويتهم، وأثارت في أعماقها قناعة راسخة بضرورة بناء جسور من الانتماء. هذه الصرخة الصامتة، التي أطلقت على إثرها سماح مبادرة حملت اسم “وطن” في بداياتها، ثم تطورت لاحقًا لتصبح “حجوة”، لم تكن مجرد رد فعلٍ عابر، بل كانت استجابةً عميقةً لحاجةٍ ملحةٍ، وكشفًا لحقيقة مؤلمة تتطلب عملاً جاداً لإنقاذ جيلٍ من الضياع بين ركام اللجؤ.

 

رحلة بناء “حجوة”: من التحدي إلى العطاء

لم تتأخر دعوة محمد عبد الرحيم “نيوتن” على مجموعة “نيروبي كوميونيتي” لتنظيم يوم ترفيهي للأطفال، حتى رأت فيها سماح فرصةً لا تعوض لتفعيل فكرتها. طرحت مقترحها بوضوح: “يا إخوانا، أريد جلسات حكاوي”. لاقت الفكرة، كما تُشير سماح، حماسًا كبيرًا في البداية، لكن الواقع يحمل دومًا تحدياته. بعد شهرين، التقت سماح بنيوتن صدفة، فسألته عن مصير تلك الفكرة التي ألهبت الحماس، فأجابها: “لم يحدث شيء”. هذا الجواب لم يزِد سماح إلا إصرارًا وعزيمةً. وبما أنها لم تكن تنتمي لأي جهة رسمية، قررت البحث عن مظلة ثقافية مسجلة. انطلقت الرحلة بلقاء أول مع نيوتن، ثم اتسعت الدائرة لتشمل روي الحاج، ورفاق الناس، ونصر الدين عبد القادر، ليشكلوا فريقًا أساسيًا صاغ الخطوط العريضة لمبادرة حظيت بتشجيع كبير من الدراميين أنفسهم، الذين أدركوا قيمة المحتوى الثقافي في دعم الأطفال.

واجهت “حجوة” في بداياتها تحديات جمة في إيجاد المحتوى المناسب، فبعض المتعاونين الأوائل لم يتمكنوا من الوفاء بوعودهم. ولكن، وكما يقال، تأتي الرياح بما تشتهي السفن أحيانًا؛ لعبت الصدفة دورها مجددًا عندما التقت سماح جون نامايا في التلفزيون، لتكتشف أنه يدير مجموعة “زاما ليو” الكينية لـ “رواة القصص” المسجلة منذ عام 1998. بفضل خبرة هذه المجموعة العريقة في فن القصص والرواية، اكتسبت “حجوة” دفعة قوية ومساعدة قيّمة في تطوير برامجها ومحتواها.

ولأن الطموح لا يعرف الحدود، جاءت فكرة المشاركة في مهرجان “سيجانا لرواد القصص”، وهو حدث راسخ في نيروبي منذ عقد من الزمان، ويحظى بدعم مؤسسات كينية وبريطانية مرموقة. هذا الطموح لم يكن مجرد فكرة، بل كان المحرك الذي دفع سماح لتسريع عملية تأسيس كيان “حجوة” الرسمي، لضمان مشاركة فعالة ومنظمة في هذا المحفل الثقافي الهام. بعد فترة من الخطط النظرية والاجتماعات، قامت سماح بإعداد مسودة عمل متكاملة، وشاركتها مع مجموعة من الآباء الذين يمتلكون خبرات مهنية متنوعة، بهدف تطوير الفكرة والبناء عليها بأسس راسخة. في غضون أسبوع واحد، وبفضل هذا التعاون المثمر، تمكنت “حجوة” من تحويل خططها النظرية إلى واقع ملموس، ونظمت ورشة العمل الأولى لـ “صناع المحتوى” لضمان جودة المواد المقدمة للأطفال، ولتكون الرسالة واضحة المعالم.

في السابع والعشرين من أبريل، عُقد الاجتماع الأول لأولياء الأمور، وفي الثالث من مايو، وبدعم كامل منهم ومن الأطفال، ومساندة كريمة من معهد الحياة والسلام (LPI)، عُقدت الجلسة الأولى لاختبار الفكرة. تضمنت هذه الجلسة أسئلة بسيطة عن السودان، وألعابًا تقليدية، وأنشطة رسم تعبيرية. كانت النتائج، كما وصفتها سماح، “صادمة”: من بين ثلاثة وعشرين طفلًا، لم يتمكن سوى ثلاثة منهم من الإجابة على خمسة وعشرين بالمئة فقط من الأسئلة البدائية عن السودان. هذا الواقع المؤلم، الذي وصفته سماح بأنه “بيّنة واضحة”، أكد الحاجة الملحة والقصوى للعمل على ترسيخ الهوية في نفوس هؤلاء الأطفال، وأدركت حينها أن ما كانوا يشعرون به من أهمية المبادرة كان في محله تمامًا، بل ربما كان أقل من الواقع.

 

“حجوة”: مرساة الهوية في بحر الغربة وعلاج للصدمات الخفية

تعمل “حجوة” اليوم بجد واجتهاد مع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والخامسة عشرة، وتقوم بتقسيمهم إلى ثلاث فئات عمرية، لضمان تقديم محتوى مناسب لكل فئة، يلامس قلوبهم وعقولهم. تُصمم لهم “حكايا” وأنشطة خاصة تهدف إلى ترسيخ فكرة التاريخ العريق، والهوية المتجذرة، والشعور العميق بالانتماء للوطن. أهدافهم الأساسية تتمثل في الحفاظ على التراث السوداني من خلال القصص القديمة والحديثة التي تُروى بأسلوب شائق، والأنشطة الفنية المتنوعة التي تُطلق العنان لإبداعهم، والأغاني الشعبية التي تُعيدهم إلى زمنٍ ولى، والألعاب التقليدية التي كانت جزءًا لا يتجزأ من طفولة الأجيال السابقة في السودان.

كما تسعى “حجوة” لخلق بيئة آمنة ومريحة للأطفال السودانيين المهاجرين في نيروبي وغيرها من المدن التي تستضيف اللاجئين، لتكون بمثابة مساحة نفسية لهم للتعبير عن مشاعرهم وتجاربهم المؤلمة، ومكاناً يشعرون فيه بالقبول والأمان. تشجع المبادرة أيضًا التواصل بين الأطفال السودانيين أنفسهم، لمساعدتهم على بناء شبكة اجتماعية داعمة في بيئة أجنبية، والشعور بأنهم جزء من مجتمع أكبر يشاركهم الهموم والأحلام. بالإضافة إلى ذلك، تُقدم المعرفة عن السودان بصورة مباشرة وغير مباشرة، تشمل تاريخه العريق الذي يمتد لآلاف السنين، وجغرافيته المتنوعة التي تُبرز جمال بلادهم، وثقافاته الغنية التي تُفخرهم بأصلهم، وفولكلوره الإيجابي الذي يعكس روح الشعب السوداني الأصيلة.

ومن الأهداف البارزة أيضًا، وبكل تأكيد، تشجيع الأطفال على التحدث باللغة العربية، وهي تحدٍ كبير يواجهه العديد منهم الذين يكبرون في بيئات لا تتحدث العربية، مما قد يؤدي إلى فقدانهم لغتهم الأم، وبالتالي جزءٍ أصيل من هويتهم. تعمل “حجوة” كذلك على تنمية المواهب في الحكي والكتابة والقراءة، والرسم، والموسيقى، وحتى البرمجة، لتعزيز قدراتهم الإبداعية والفكرية وصقل مواهبهم الكامنة. الأهم من ذلك كله، أن “حجوة” تسعى لبناء الثقة في الانتماء لدى أطفالها، لمساعدتهم على الاندماج في المجتمعات الجديدة دون فقدان هويتهم الثقافية الأصلية. سماح تُدرك تمامًا أنهم لن يكونوا سودانيين خالصين ولن يصبحوا كينيين خالصين، بل “سيكونون سودانيين بطابع ثقافي معين له علاقة بنيروبي وبيئتها والأطفال فيها”، مما يعكس هويتهم المركبة والمتطورة، القادرة على التكيف دون الذوبان.

ولا يغيب عن أجندة “حجوة” الأهداف الجوهرية لمساعدة الأطفال على التعافي من الصدمات النفسية العميقة الناتجة عن الحرب أو النزوح القسري. يتم ذلك من خلال الأنشطة الفنية كالدراما والألوان التي تتيح لهم التعبير عن مكبوتاتهم، وتفريغ المشاعر بالحكي والكلام، لتقديم دعم نفسي يسهم في شفائهم العاطفي. تُقدم “حجوة” أيضًا نوادي للكتب، وفعاليات للمناظرات، وورش عمل فنية متنوعة، وبرامج رياضية ودفاع عن النفس، ودروسًا في الموسيقى، وورش عمل في الكتابة الإبداعية، وحتى دروسًا في البرمجة للأطفال المهتمين. هذا التنوع يضمن تلبية اهتمامات مختلفة للأطفال، ويُمكنهم من اكتشاف شغفهم في بيئة داعمة ومحفزة.

 

أصوات من داخل “حجوة”: شهادات الأمهات تروي الأثر

لشهادات الأمهات، وهن يَرينَ أثر “حجوة” في أبنائهن، وقعٌ خاصٌ يتردد صداه في أرجاء نيروبي. تؤكد سهى بابكر، وهي أم لأحد الأطفال المشاركين في “حجوة”، في حديثها لراديو تمازج، على الأثر العميق لهذه المبادرة: “بالنسبة لمبادرة حجوة، في رأيي الشخصي، إنها مبادرة جميلة جدًا ومهمة للغاية. لقد جاءت في وقتٍ أحوج ما يكون فيه الأطفال لمثل هذه المبادرات. فأولادنا، بَعدهم عن وطنهم، سواء كان ذلك بسبب الحرب أو لأنهم غادروا البلاد قبلها، يجعل هذه المبادرة فرصة ثمينة لهم ليتعلموا عن بلدهم، معلوماتٍ عن تاريخها، تراثها، ثقافتها، أغانيها الوطنية، وألعابها القديمة التي كانت شائعة في السودان.” وتضيف سهى بلهجة تعكس الامتنان: “هذه الأنشطة تقوّي ارتباط الأطفال بالسودان، وتُشعرهم بأن لديهم وطنًا ينتمون إليه، ويستطيعون التحدث عنه والكتابة عنه بفخر. إنها مبادرة تستحق كل الاحترام والتقدير والدعم. ونحن على أتم الاستعداد لدعم الشباب في أي شيء يحتاجون إليه منا، ونُحيّيهم جدًا على مجهوداتهم.” تعبر سهى عن الشعور الذي انتابها عندما طُرحت على أطفالها أسئلة بسيطة لم يكونوا يعرفون إجاباتها، قائلة: “لقد كان مزيجًا من حزنٍ عميق وإحساسٍ بالتقصير، وقلقٍ بالغ على مستقبل أولادنا. عندما سُئلوا عن أول رئيس للسودان، أو عن دلالات الألوان في العلم السوداني، وهي أشياء كنا نتعلمها في الكتب والمدارس، وفي الفعاليات المدرسية، ومن الناس حولنا، ومن التلفزيون والراديو، أدركنا أهمية ما يقوم به هؤلاء الشباب. إنها أشياء لم نستطع نحن، كآباء، أن نعملها، ولذلك نُحيّيهم جزيل الشكر عليها.” لقد لمست سهى تأثير المبادرة في أولادها بوضوح، فتقول: “كل يوم، كنا نُردد معهم الأغاني الوطنية ونُنشد نشيد العلم. يسألون عن المناطق المختلفة في السودان. على سبيل المثال، بعد أن رويت لهم قصة عن كوش، جاءوا وسألوا أسئلة كثيرة عن مملكة كوش. لقد كان لهذه المبادرة أثر كبير جدًا وإيجابي ومهم على الأطفال. أتمنى لهم كل التوفيق، وأتمنى أن تتواصل المبادرة، وأحترمهم جدًا عليها. وكما قلت، سندعمهم لتواصل المبادرة لأننا نرى تأثيرها الإيجابي في أولادنا. شكرًا جزيلًا لكم. أتمنى أن يُصلح الله بلدنا، وأن نعود إليه جميعًا سالمين.”

ومن جانبها، تؤكد أفراح حسن، أم لطفلين مشاركين في مبادرة “حجوة”، على الأثر العميق الذي تركته في حياة أطفالها: “السلام عليكم. أنا، كولية أمر، أرى أن أطفالي الذين انضموا إلى مبادرة ‘حجوة’ قد استفادوا كثيرًا. في تقديري، هي مبادرة مميزة ومهمة جدًا، خصوصًا في الظروف الراهنة. مسألة الهوية والانتماء تتطلب تركيزًا خاصًا مع الأجيال الجديدة ومع الأطفال في أعمار أبنائنا.” وتضيف أفراح أن المبادرة ساعدت في اكتشاف مهارات كامنة لدى أطفالها، ومنحتهم الثقة بالنفس والقدرة على التعبير عن ذواتهم: “أولاً، أود أن أوضح أن المبادرة ساعدت في اكتشاف مهارات كامنة لدى الأطفال، وهذا في حد ذاته أعتبره إنجازًا كبيرًا. إنه يفتح لهم آفاقًا جديدة، ويجعلهم قادرين على التعبير عن ذواتهم، وتنمية قدراتهم، واكتشاف مدى إمكاناتهم، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم. هذا كان في جانب تنمية الذات.”

وتصف أفراح بأسلوب حيّ كيف أن الحكايات عن تاريخ السودان، مثل مملكة كوش، ألهبت فضول أطفالها ودفعهم للبحث والتعلم: “ثانيًا، من الجوانب المهمة جدًا في مبادرة ‘حجوة’ هو الجانب التربوي والثقافي. فالمبادرة، بحسب ما حضرت من اجتماعات أولياء الأمور وفعالياتها، تعمل على ربط الأطفال بتاريخهم وجذورهم بشكل كبير جدًا. فعلى سبيل المثال، في آخر جلسة حكي، كانوا يتحدثون عن مملكة كوش. مملكة كوش تحتوي على معلومات كثيرة جدًا عن السودان، والتي في الحقيقة، لم يكن أطفالنا ليعرفوا عنها شيئًا لولا مبادرة ‘حجوة’. فبمجرد عودتهم إلى المنزل، كان أطفالي يريدون فورًا البحث في التلفزيون. كانوا يقولون: ‘يا ماما، اكتبي لنا مملكة كوش’. سألتهم: ‘من أين أتيتم بهذا الكلام؟’ فأجابوا: ‘لأن ماما راوية حكت لنا اليوم عن مملكة كوش، ونحن نريد أن نعرف عنها أكثر’. فجلسوا أمام التلفزيون، وكانت لديهم كمية كبيرة من التساؤلات، يشاهدون ويسألون، وأنا أصبحت مضطرة للإجابة، بل واضطررت لزيادة معلوماتي لأواكبهم وأجيب عن استفساراتهم. هذا كان في جانب التربية والثقافة.”

وتضيف أفراح أن المبادرة لها أثر معنوي وعاطفي كبير جدًا، لأنها تخلق إحساسًا يربط هؤلاء الأطفال بانتمائهم لوطنهم. يصبح لديهم فضول لمعرفة المزيد عن بلدهم، ويخلقون علاقة حقيقية ومستدامة مع الوطن، حتى لو كانوا بعيدين جسديًا. فمعنويًا، يكون لديهم ارتباط وجداني وعاطفي ببلدهم، وبالمعلومات التي يعرفونها عن وطنهم. “في النهاية، أنا كولية أمر، أرى أن هذه المبادرة إضافة حقيقية ومؤثرة جدًا. يمكن أن تكون ذات تأثير بالغ في تنشئة جيل لديه وعي بهويته، وفخور بجذوره، ومتحفز لاكتشاف إمكانياته. في تقديري، هي مبادرة تشكل إضافة حقيقية لأطفالنا، وأنا شخصيًا لمست ذلك في أطفالي من اليوم الأول. إنهم مرتاحون لهذه المبادرة ومتفاعلون معها بشدة، وبعد ذلك بدأوا يسألونني أسئلة شعرتُ معها أنه فعلاً هناك إضافة حقيقية.” وتختتم أفراح توصيتها، داعيةً إلى استمرار هذا الجهد المبارك: “إننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من المبادرات الشبيهة بـ’حجوة’، أو على الأقل استمرارية مبادرة ‘حجوة’ نفسها. ونحن نساعد على استمرارها لأنها فعلاً إضافة قيمة. النقطة الأخرى هي أنها تربط الأطفال بأقرانهم في السودان نفسه. هذه الفكرة التي تربط الطفل بوطنه أمر جيد جدًا ونحن في أمس الحاجة إليه، خاصة وأننا غادرنا وطننا وأطفالنا صغار، لا يفقهون شيئًا ولا يعرفون شيئًا عن الوطن. ففي تقديري، المبادرة إضافة حقيقية، نعم، إضافة حقيقية لأطفالنا.”

 

خطط مستقبلية: رحلات تشافٍ وتكامل ثقافي

تتطلع “حجوة” إلى المستقبل بخطوات طموحة، مؤمنة بأهمية الاستمرارية والتوسع، لأن مسيرة بناء الهوية لا تتوقف. على المدى القصير، تخطط لورشة عمل مكثفة تضم ستة عشر مشاركًا من الفنانين والمعالجين والكتاب الكينيين والسودانيين، برعاية كريمة من معهد الحياة والسلام (LPI). الهدف الأول من هذه الورشة هو “رحلة تشافي” للمشاركين أنفسهم، لضمان أن يكون من يقدم الدعم النفسي والثقافي للأطفال يتمتعون بالصحة النفسية، وبالتالي عدم نقل أي إسقاطات نفسية سلبية للأطفال من قبل رواة القصص أو المعلمين. أما الهدف الثاني، فهو “تأسيس أرضية للتكامل” بين الفنانين من كلا الثقافتين، السودانية والكينية، لتطوير محتوى مشترك يناسب التراث الشفهي لكلتا الثقافتين، وخلق أساليب مبتكرة للاندماج الفني والاجتماعي، يعكس قيم التعايش والتآلف.

كما تتعاون “حجوة” مع “Greenpeace Africa” لتطوير مشاريع مشتركة تُعنى بالبيئة، وستشارك بفاعلية في مهرجان “سيجانا” الدولي من يونيو إلى يوليو الجاري، مع تطوير ثماني فعاليات مختلفة تستهدف الأطفال والمراهقين والراشدين على حدٍ سواء. وحتى نهاية العام، تسعى المبادرة إلى تنظيم ما يقارب ثمانين فعالية متنوعة، تشمل جلسات حكي للراشدين لمساعدتهم على التشافي من صدمات النزوح واللجوء، ونوادي للآباء لتعزيز التواصل الصحي والثقافي داخل الأسرة، ودعم الأسر في بناء مستقبل أفضل لأبنائهم.

تطمح سماح عركي أيضًا في إنتاج فيديوهات قصيرة للقصص المروية في “حجوة”، وورش عمل حول التصميم والألوان، بالإضافة إلى برامج رياضية وفنية تُنمّي المواهب. وتأمل شخصيًا في إطلاق بودكاست خاص بالمبادرة، لتوفير مصدر غني ومتاح للمحتوى القصصي للآباء والأطفال على نطاق أوسع، ومشاركة الخبرات مع مشاريع سودانية مشابهة في الشتات، لتعزيز التعاون وتبادل المعرفة. إن الهدف الأسمى لـ”حجوة” هو تعزيز الإحساس بالانتماء للوطن وتشجيع التعايش السلمي بين الثقافات، وخلق جيل جديد “يدعو للسلام” و”يربي الأصغر منه على حب وقبول الآخر، بدءًا من السودانيين أنفسهم وانتهاءً بالمجتمعات المضيفة”، جيلٌ يحمل رسالة الأمل والتآلف في عالمٍ مُضطرب.

Exit mobile version