الفيس بوك دا ما حصة عربي..!

شول كير أضوم (*)

في الزمن بقينا فيه نكتب على الحيطة الإلكترونية أكتر من الورق، وبقى الفيسبوك دفترنا المفتوح، ظهرت حكاية غريبة. ناس داخلة الكتابة، يبدوا منشوراتهم بكلام منمق، زي وهذا لعمري لشيء قبيح، وكأنو بيخاطبوا قوم في زمن الجاهلية ولا بيقروا وصية قبل ما يسلموا الروح. الكلام دا ما عندو علاقة لا بي وجعهم الحقيقي، لا بي الواقع البعيشوه، هو بس شوية جمل مستعارة من كتب الأدب القديم، متوهمين إنها بتديهم هيبة أو بتخليهم يبانوا مثقفين.

لكن الحاصل؟ القارئ بيكتشف الخدعة من أول سطر. لأنو مافي شيء أكتر إرهاق من تقرا كلام متكلف، ساكن، ما فيهو حرارة، وكأنو متغطي برداء بلاغة ساكت ما بتغطي أي فكرة. وكأنك لازم تجيب معاك قاموس عشان تفهم.

زول البكتب بالطريقة دي، في الغالب ما قاعد يكتب عشان الفكرة، بل عشان يعجب الناس بطريقة كتاباته. داير يظهر بأنه فاهم وبيعرف يصوغ. لكن في النهاية بيكون بيلاحق لايكات، مش قراء.

و يجي يوم، لمن الغبار يتراكم على البوستات، ويشوف نفسو بيتكلم مع نفسو، يلقى إنو تعب و المجهود كبير على فاضي. اكتشف متأخر إنو الفصاحة الكاذبة دي ما صنعت معنى، وإنو الزينة الما نابعة من صدق، مجرد تشويش.

الناس ما دايرة تسمع كلام يقعد يصدع راسها ولا كلام شاعري منفوخ ساي. دايرين كلام بسيط، حي، يلمسهم، شبه الحياة البعيشوها، شبه طريقة نقاشهم في الواتساب والميسنجر، شبه اليوم البيمروا بيهو في السوق أو في الشغل. 

مش دايرين مجازات جعانة ولا تعبيرات بتخلي القارئ يهرب من النص بدل ما يدخل فيه.

القصة ما في إنك تكتب زي الناس، القصة في إنك تكتب زي نفسك. زي قلبك وعقلك ما بيحس. لمن تكتب من جواك، بساعتها الناس بتلقاك.

تتعب وتكتب منشور طويل عريض، تلفحو بالزخارف اللفظية، وبعدين تلقى التفاعل بس من جارك المجعوص أو صاحبك الدائم اللايك، تحس نفسك كأنك بتغني في بير. إحساسك وقتها ممكن يكون أسوأ من الخيبة، ممكن يخليك تختفي من السوشال ميديا كأنك ما كنت.

عشان كدا، الفكرة البسيطة لو اتقالت صح، بتوصل أقوى من ألف استعارة. والكتابة البسيطة، لما تكون طالعة من وعي، بتغلب كل فن مزوق.

الصدق هو الفيصل. الناس بتشم ريحتو حتى لو مكتوب بلغة السوق. وأي كتابة ما نابعة من حقيقة، ما بتعدي.

الكتابة ما عرض مسرحي ولا استعراض عضلات لغوية. هي وجود. يا تكون بتكتب لأنك بتعيش، يا ما تكون.

* كاتب جنوب سوداني 

Exit mobile version