في زمان ليس ببعيد، كانت لحظة التصوير الفوتوغرافي حدثًا جللًا، يحتاج إلى استعداد نفسي ومادي، وربما حتى دعم معنوي! كان الذهاب إلى “الاستوديو” يُعدُّ من الطقوس الاجتماعية، لا يقل شأنا عن زيارة الأهل في العيد، واهم فترات التصوير في الأعياد ونهاية العام الدراسي ومناسبات الزواج.
وتبدأ بجلسة مهيبة أمام المصوّر الذي يأخذ وضعية “الفنان العالمي”، وتُختَتم باستلام الصورة بعد أسبوع كامل، بعد أن تكون قد نضجت في غرفة مظلمة وشهدت ولادتها بالأبيض والأسود!
الاستوديو زمان، كان عالماً آخر. تدخل فتجد المصور في قمة الأناقة والشياكة، يناديك باسمك الكامل، ويطلب منك أن “تسند ضهرك كويس”، وأن تمسك وردة بلاستيكية ضخمة ثم تبتسم، ثم يطلب من الأطفال أن “لا يتحركوا” لأن الكاميرا “تشتغل براحة”، وبعد لقطة واحدة فقط يقول: “تمام.. نشوف الصورة الاسبوع الجاي”! فتخرج وأنت تحمل أملاً عريضاً أن تخرج صورتك “زي بتاع المشاهير في المجلات”، أما إن أغمضت عينيك صدفةً أثناء الفلاش، فانتظر فضيحة عائلية لا تنتهي. ولا يوجد مجال للتعديل.
واذا لم تخنّي الذاكرة مدينتي بها عدد من الاستوديوهات مثل استديو مواهب، استديو غاندي (صابون) استديو تاجوج استديو رشا والاستديو العالمي.
كانت الصورة تُعلّق في الصالون، وتُدرج في ألبومات خاصة تُفتح فقط في المناسبات وللضيوف الغاليين ، ومن فرط الحُب لها كانت تُغطى بورق نايلون شفاف كأنها وثيقة رسمية من الأمم المتحدة! او اتفاقية نيفاشا.
اما المتزوجين يوزعون صور زواجهم للاهل والاحباب.
أما اليوم… فالوضع انقلب رأسًا على عقب. لم نعد ننتظر الصورة، بل تنتظرنا هي! الكاميرات أصبحت في كل مكان على الموبايل، في الساعة! وبكبسة زر، تلتقط عشرات الصور في الثانية الواحدة، ثم تختار منها ما “يعجبك” ، وتضيف لها فلتر “حياة وردية” قبل أن تنشرها في نفس اللحظة على وسائل التواصل، ومعها تعليق مثل “صورة عفوية”.
لكن أسوأ ما جلبته هذه الثورة التكنولوجية في رأيي هو “السيلفي”! تلك اللقطة التي يخترعها الشخص فجأة أمام مرآة أو مطبخ (جايط) أو حتى “بالقرب من شخص نائم”، دون أي اعتبار للخلفية أو المشهد العام. ترى البعض يتصور سيلفي وفي الخلفية حبل غسيل أو طفل يبكي أو برميل نفايات! والأدهى أن يلتقطها بفخر وكأنه يحتفل بإنجاز عظيم وهو وسط بيت (مكوجن).
وفي مفارقة ساخرة، أصبحنا نلتقط مئات الصور ولا نطبع واحدة، بينما في الماضي كنا نلتقط صورة واحدة، ونجعل منها “ذكرى أبدية”.
لقد تغير الزمن، ولم تعد الوردة البلاستيكية مطلوبة، بل “الفلاتر” و”الابتسامات المصنعة”… لكن تبقى تلك الصور القديمة (رغم بساطتها) أصدق وأجمل، لأنها كانت تُلتقط من القلب، لا من أجل الإعجابات.
فهل نحتاج إلى العودة لشيء من رصانة الماضي، أم سنواصل طريق “السيلفي حتى إشعار آخر”؟
أنتم الحكم، ونحن نواصل الابتسام… أمام الكاميرا طبعاً.