غداً نكُونُ كما نودُّ.. ونلتقِي عند الغروب
غداً تجِف مدامِعِي.. وتزولُ عن نفسِي الكروب..
تائِهين مُتكوِّرين على أحزاننا بعزلةٍ ضاجَّة..
ليلُ حنينٍ طويلٍ؛ يقذِفنا لليلِ ذِكرياتٍ قِديمة.. وما بين الليلَين لا يتسلل وحشتنا صباح..
هكذا مضت أيامُ بُعادِنا عن الخرطوم، أو غيابُ الخرطوم عنا، أثقلُ من قدرتِنا، وأمرُّ من أن تحتويها فصولُ الرواية.
أتكئُ الآن على طرفِ السريرِ ذاتهِ الذي كان شاهِداً على اِنكساراتي المتتالية، ودموعي التي فطرت قلب هاتيك المدِينة، أجرُّ بخاطِري ليالِي الفِراقِ التي مضت عمداً.. وأستشعرُ غصة القلب بأدق تفاصِيلها، ليحتشد بصدري كامِل الحنينِ الذي كان..
أتكِئ وأنا أرى الخرطوم تنهضُ شيئاً فشيئاَ.. تتشبثُ بأكتافِ أبنائها، وتنفضُ الغبار عن جسدها المتهالك، أرى الخرطوم بعينِ المنتصر، وأرانا نرسم خطواتنا بكامل اللهفة؛ على نفس الطرقات التي رسمنا فيها الخطوات بأفجعِ التفاصِيل..
والملمات البضمنَّك حبابِن
أرانا نُزِيح الرماد عن تلك الشوارِع، نغرسُ خطوات حضورنا بالمحبة، ونربِّتُ على أبوابِ البيوتِ المُنهَكة.. نتعانق بقدر أيام الفراق، نستلقِي على (الحِيشان) القديمةِ ذاتها.. وندسُ أصوات ضحكاتنا في صدورِ الغُرفِ التي أضناها الفَراغ.
على زِحامِ الأرصِفة..
أنا هنُا من على سريريَّ الذي كان شاهداً على الليالي المضنِية، أرى بوضوحٍ صباح الاِنتصار، أرى شروق الشمسِ لصباحِ الأحدِ الغائب، أرى الناس يباركون لبعضهِم اِنجلاء تلكَ الغمَّة وانتهاء الكربِ الثقيل، أرى تلك الحفاظاتُ الزرقاء والحمراء معبأةً بالعصائرِ على طول الطرقاتِ والأرصِفة.. والحلوى توزع.. والناسُ يهللون ويكبرون.
أنا هنا من على سريري الذي كان حاضراً ليالي النحيب، أرى الخرطوم تضجُ بالحياة.
باكر
دموع العين تجِف..
والناس تطيِّب وجعتها..)
الغربة، بعيداً عن الخرطوم.. لكنها فيني بألقِها القديم.
* شاعر وكاتب سوداني