مع طول أمد الحرب .. فرح وحزن يلازمان الثورة السودانية

تقرير - نوح آدم هدو 

تظل ثورة ديسمبر 2018 التي اندلعت في السودان عالقة في أذهان كثير من السودانيين وخصوصاً من شارك في المواكب والتظاهرات الاحتجاجية لما صاحبها من عنف مفرط من قبل أجهزة الأمن أدى إلى مقتل أكثر من “500” شخص وآلاف الجرحى ومئات المفقودين، وهو ما خلف حزناً وجروحاً لن تندمل وسط المجتمع السوداني ولا سيما لدى أمهات الضحايا، ومع ذلك، عم الفرح غالبية الشعب بوصول الثورة الشعبية إلى مبتغاها بسقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير بعد حكم دام “30” عاماً.

ويُعد السودان من بين الشعوب الإفريقية والعربية القليلة التي خاضت مسيرات نضال طويلة وثورات متكررة ضد الحكم الشمولي، لا سيما حكم العسكر، الذي أرهق البلاد وكبّلها عن اللحاق بركب الدول المتقدمة.

ومن أبرز هذه المحطات النضالية، جاءت ثورة ديسمبر 2018، كواحدة من أعظم الثورات التي سطّرها الشعب السوداني وأبهرت العالم، رغم أن البلاد شهدت من قبل ثورتين تاريخيتين: ثورة أكتوبر عام 1964 التي أطاحت بحكم الفريق إبراهيم عبود، وانتفاضة أبريل 1985 التي أنهت حكم المشير جعفر نميري. ولكل من هاتين الثورتين قصصها وتضحياتها التي لا تُنسى.

وعلى رغم طول أمد الحرب في السودان، إلا أن ملايين السودانيين لا تسعهم الفرحة بإنجاز الثورة وتحقيق تطلعاتهم وآمالهم، خلال وقت أبدي فيه كثيرون حزنهم على ضياع ثورة عظيمة لم تحقق أهدافها وتطلعات الثوار. 

 

علامة فارقة 

وتميزت ثورة ديسمبر عن سابقتها بكونها جاءت بعد أطول فترة حكم ديكتاتوري، حيث ظل نظام البشير قابضاً على السلطة لأكثر من ثلاثة عقود.

وقد شكّلت هذه الثورة علامة فارقة، ليس فقط في تاريخ السودان، بل في ذاكرة الشعوب الباحثة عن الحرية والعدالة.

وللخوض في تفاصيل وأسرار ثورة ديسمبر، ودروسها المستفادة، تحدث الصحفي حسين سعد لمنصة (مشاوير) قائلاً ” ةأوجه الشبه بين ثورة ديسمبر والثورات السابقة موجودة، على سبيل المثال: دور تجمع النقابات في عامي 1964 و1985، ودور تجمع المهنيين السودانيين في ثورة ديسمبر. وكذلك شهدت الثورات السابقة وحدة في مواقف الأحزاب، كما هو الحال مع قوى الحرية والتغيير خلال ثورة ديسمبر. بالإضافة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي اجتمعت في كلا الثورات.

 

ضعف التجربة 

وأضاف سعد : من الأسباب التي أدت إلي أنخفاض وهج الثورة اولا: ضعف القيادة في حكومة الفترة الانتقالية التي تولت زمام الأمور بعد نجاح ثورة ديسمبر نتيجة لضعف التجربة السياسية لدي الكثير من قيادتها، إلى جانب عدم وضوح المشروع والرؤية السياسية لقوة الحرية والتغير وكان هنالك تخبط داخلها مما انعكس سلبا علي أداء الحكومة الانتقالية وعدم قدرتها على إنزال برنامج الثورة كفعل عملي، مما أدى ابتاعد الشارع الثوري عن دعم الحكومة الانتقالية، فضلاً عن التباين الظاهر داخل قوة الحرية والتغير كممثل شرعي للثورة. 

وتابع : الذي يجمع بين مكونات قوة الحرية والتغير الكثير، ولكن التباينات الموجودة كانت تأثيرها الواضح في إضعاف المكون عبر ظهورها في منعطف القضية الكبيرة والمصيرية للثورة والدولة كمثال قضية التطبيع مع إسرائيل والقرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الثورة وقضية سلام جوبا، علاوة على فشلهم في الابتعاد عن احضان المكون العسكري، ومن المعروف هو الممثل الرئيسي للدولة العميقة وقوة الظلام.

وأشار سعد إلى أن “ضعف الحماية الشعبية للحكومة الانتقالية نتيجة لعدم الرضا عن أداءها العام خاصة من قبل لجان المقاومة وشباب الثورة.

ولفت إلى أن “هناك عنصر هام ساعد في إنجاح ثورة ديسمبر وهو التصدع الواضح داخل قيادة الجيش وقوات الأمن بالإضافة للانقسام التيار الإسلامي بين مؤيد لترشيح البشير للانتخابات في 2020، وبين رافض أو متردد، مما ساهم في إضعاف النظام وفتح الطريق أمام الثورة لتحقيق أهدافها.

 

جماعية الحراك 

وفي ذات السياق، قالت الناشطة في حقوق المرأة سلمي الشيخ لمنصة (مشاوير) “نجحت ثورة ديسمبر لعدة أسباب محورية، أبرزها الزخم الجماهيري الكبير نتيجة لمشاركة قطاعات واسعة من الشعب السوداني، من كل الأقاليم والطبقات الاجتماعية، مما أكسب الثورة شرعية لا جدال فيها، بالإضافة للقيادة الشبابية الواعية سوء كانت في تجمع المهنيين السودانيين أو لجان المقاومة والذين لعبوا دوراً محورياً في التنظيم و التنسيق، وتوجيه الحراك بأسلوب مبدع ومرن، إلى جانب الوعي السياسي المتراكم لسنوات من القمع والإفقار والبطالة وقلة الفرص في سوق العمل جعلت الناس أكثر إدراكاً لحقوقهم وأكثر رفضاً للاستبداد، مع الاخذ في الاعتبار التحالف المدني الواسع الذي تم رغم التباينات في الآراء، إلا أن تجمع المهنيين السودانيين وكيانات سياسية ومدنية أخرى توحدت حول هدف واحد إلا وهو إسقاط النظام.

وأضافت الشيخ أن “من الأسباب الجوهرية الطابع السلمي للثورة والثوار الذي أدي إلى أرباك السلطة وأضعاف مبررات القمع الوحشي، وكسر حاجز الخوف لدى جماهير الشعب مع المشاركة الكبيرة والفعالة للكنداكات في الثورة وقيادة المواكب التي كانت تبدأ بزغروتة كنداكة، على رغم تعرضهن لابشع أنواع العنف إلا أن وجودهن في الصفوف الأمامية كان له دور كبير في نجاح المواكب.

Exit mobile version