روح التكايا

برعي الأبنوسي

المتابع لمجريات الوضع الإنساني في السودان، بعد حرب أبريل المشؤمة التي تزداد تعقيداتها يوما بعد آخر، أفرزت أوضاعا إنسانية وإقتصادية غاية السوء، وكان التشرد والنزوح والجوع والمرض عنوانها العريض ومأساتها الكبرى، وظل العالم ينظر بعين الرأفة والاشفاق على ما آل إليه وضع الناس في بلاد النيلين، التي مات بعض أهلها عطشا وجوعا وحسرة، قبل أن تصطادهم نيران البنادق!. 

وأصبح الوضع يتأزم بوتيرة متسارعة إقتصاديا وإجتماعيا وصحيا، بالرغم من انتصار روح التكافل على موات الهمة وأسباب العجز وقلة الحيلة، إلا أن راهن الأوضاع وتقلباتها تعدت مقدرة الفاعلين، الذين بذلوا الجهد والعرق ولم يستبقوا شيئا، وفاضات المأسي عن ماعون العطايا وموائد الخيرين، ولكن ظلت الإنسانية ماثلة في مكارم أهلها وكرمهم ونبلهم وإيثارهم في أحلك الأوقات وأشدها ضيقا ومثقبة.

إن الحياة الاجتماعية هي أحد صور العلاقات الإنسانية، مما جعل الكثير من الحكماء يعبرون عنها بكلمات وعبارات تسمو بها معنا وفعل، وفاعلية تأثيرها على النفس والمجتمع، ويصبح الإنسان عظيماً تماماً بالقدر الذي يعمل فيه من أجل رعاية أخيه الإنسان دون مقابل، دافعه روح العطاء ومحبة الخير وابتغاء الأجر، يوقدون نيران التكايا في الوقت الذي تتربص بهم نيران الحرب التي نالت منهم مانالت، وفقد بسببها العديد من المتطوعين أرواحهم في سبيل إنقاذ الآخرين.

ومقدار الجهد الذي يبذله أهل التكايا وغرف الطوارئ مكنهم من الترشح لنيل جائزة نوبل للسلام، التي أعلن عنها مدير مركز أبحاث أوسلو هنريك أوردال للعام 2025، حيث تصدرت غرف الاستجابة للطوارئ في السودان القائمة لجهدهم وصمودهم في ظل تنامي مخاطر الاوضاع وتوسع دائرة الحرب الوحشية في السودان. 

وأشار إلى مخاطرة المتطوعين بحياتهم للوصول إلى المحتاجين وتقديم الغذاء والماء والمأوى والرعاية الطبية.

وأن جهودهم كان لها دور حاسم في منع انتشار المجاعة والأمراض، وحماية المدنيين من العنف وضمان حقوقهم.

وبلا أدنى شك هم أحق بهذه الجائزة وبغيرها الجوائز والثناءات، ومايقومون به تتقاصر عنده كل الشهادات والجوائز.

وبالرغم من تحذيرات عدد من المنظمات الأممية والتي أشارات فيها إلى أن97 في المئة من السكان يواجهون “مستويات خطيرة من الجوع، ونحو 25 مليون شخص يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي وبالطبع كل هذا العدد يحتاج ميزانية ضخمة ومجهود كبير لمواجهة احتيجاته من غذاء وعلاج وماوى، ولو روح التكايا التي نفخت في جسد الفاعلين واصبحت مواقدهم في زمان الحرب المستعرة خيارا وحيدا لمعظم السودانيبن الذين لم يغادروا منطاقهم والنازحين الذين تفرقت بهم السبل وفقدوا مصادر رزقهم وطمأنينة استقرارهم، فظلت التكايا التي تقيمها غرف الطوارئ والخيرين وشباب الأحياء. الممدة على جغرافيا البلاد، حينها تضافرت جهود الأفرادا والجماعات عبر المساهمات الفردية، بجانب المنظمات التطوعية -على قلتها- ومخزون الإغاثات الدولية التي فاضت بها المخازن ولم ينال منها المستحقين إلا القليل.

إن التكايا في كل ربوع البلاد كانت تتفوق على نفسها و ساهمت بقدر كبير في توفير الكثير من المعونات من اطعام وعلاج وغيره، مما يحتاجه الناس، ومعلوم أنها إرث صوفي ضارب في القدم، تناقله جيلا بعد آخر، واصبح ثقافة مجتمعية يحمد لها استمراريتها في ظل توسع دائرة الحرب و انعدام الأمن والاستقرار الذي فقدت بسببه الأنفس ونقصت الثمرات.

وظل المتطوعون يعملون بذات الهمة والروح الصبية، غير أبعين بالمخاطر المحيطة بهم من كل جانب، في الوقت الذي أنشغل فيه بعض المتربصين بتخوينهم واتهامهم بالعمالة وغيرها من المضايقات التي تقلل من جهدهم،حتى يتضاءل فعلهم ويتقاصر دورهم تجاه المحتاجين الذين يأملون في تقديم المزيد من العون لهم.

 إن التطوع ثقافة لايدركها إلا من أمن بها واقر بعظمة رسالتها، الداعية لتماسك المجتمعات والعمل على تنميتها وتطويرها وانتشالها من براثن الفقر والجوع والمرض.

وتُعد “غرف الطوارئ” واحدة من المبادرات التي أطلقها مجموعة من الشباب المتطوعين، وتهدف إلى توفير الخدمات الأساسية للمواطنين الذين يواجهون مخاطر الموت والجوع والمرض ، كما تسعى المبادرة إلى معالجة الصعوبات المتعلقة بتوفير مياه الشرب والكهرباء وخدمات الاتصال، وكل مامن شأن أن يخفف وطأة آثار الحرب على المواطنيين منذ بدايتها في أبريل 2023 وحتى الآن، وتعمل هذه الغرف الإنسانية في تقديم الدعم والمساعدة للمتضررين من النزاع في كل المدن.

كما تقدم هذه الغرف الرعاية الطبية والخدمات الإنسانية للمتضررين من النزاع في بيئات بالغة التعقيد ومحاطة بالماخر، حيث يواجه المتطوعون تحديات كبيرة تشمل المخاطر الأمنية والتهديدات بالعنف وربما القتل.

 

 

 

 

 

Exit mobile version