استنهضت الحرب في السودان قيم التكاتف الموروثة لدى الشباب في مواجهة تداعياتها، من خلال مبادرات فردية ومجتمعية عديدة، إذ نشط متطوعون كثر بمدينة أم درمان في تنظيم مبادرة “البيئة والصحة أولاً “، التي تهدف إلى جمع النفايات والقمامة المتراكمة داخل الأحياء ومخلفات وأنقاض الحرب في الطرقات وداخل الأزقة، وكذلك تنظيف الأماكن العامة لتحسين وترقية بيئة العاصمة الوطنية.
وقوبلت الخطوة بتجاوب كبير من القطاعات الشعبية، كونها تشمل مراحل عدة تهدف إلى النهوض بمدينة أم درمان ومغادرة محطة الصدمة لإعادة تطبيع الحياة، حتى يتمكن الآتون من مناطق النزوح واللجوء استئناف حياتهم الطبيعية.
مشاركة جماعية
انطلقت المبادرة من منطقة أم درمان القديمة، ووجدت تفاعلاً كبيراً من السكان، إذ نشط العشرات في إزالة أكوام النفايات، فضلاً عن تنظيم المساحات المشتركة والمداخل وتنظيف وتعقيم بعض المرافق.
في السياق يقول عضو المبادرة معتصم الزين لمنصة (مشاوير) إن “المتطوعين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لحض الخيرين والمغتربين من سكان الأحياء على ضرورة تقديم الدعم المالي للإسهام في تعزيز الجهود وتوفير المعينات كافة، من دون انتظار إذن من الدوائر الرسمية، وقد تفاعل كثيرون مع المبادرة.
وأضاف أن “المرحلة الأولى شملت مناطق في مدينة أم درمان، وطرقاً رئيسة تشكل واجهة العاصمة الوطنية، وأسهمت في إزالة أطنان من القمامة، فضلاً عن حملة إصحاح البيئة لمحاربة الملاريا من خلال رش وردم البؤر التي يتكاثر فيها البعوض خصوصاً مع دخول فصل الخريف.
وأوضح الزين أن “هناك عقبات تواجه المبادرة، منها عدم توافر حاويات قمامة كافية، لا سيما بعد تعرض كثير منها للتدمير والتخريب بسبب القصف جراء المعارك والاشتباكات المسلحة، إضافة إلى نقص معدات النظافة والمكانس.
تشجيع المبادرات
من جانبه نوه الناشط المجتمعي علاء الدين عمر بأهمية خلق مبادرات لتجميل وترقية البيئة في مدينة أم درمان بمشاركة القطاعات الشعبية وإعداد دراسة توصلاً لرؤية واضحة من خلال تحديد الآثار السلبية البيئية وكيفية معالجتها، لأن الوضع لا يحتمل الانتظار حتى يتمكن المواطنون من العودة إلى منازلهم وممارسة حياتهم الطبيعية.
وأضاف : شرع عدد من شباب وأهالي أحياء أم درمان في تطبيق عمليات إصحاح البيئة في شوارع المنطقة وإزالة المخلفات الحربية وأكوام النفايات المتراكمة، إلى جانب جمع القمامة من الطرقات وتسوية المطبات.
وأوضح عمر في حديثه لمنصة (مشاوير) “لا يزال المواطن السوداني يصنف بأنه مهمل ومقصر في حق بيئته ومجتمعه المحلي، إذ إن بعض الممارسات السلبية لا تزال حاضرة مثل إلقاء النفايات من نوافذ المركبات وعدم الحفاظ على نظافة الأماكن العامة.
وتابع : التحدي الأهم الذي ينبغي وضعه في الاعتبار هو البيئة وضرورة بذل جهود مضاعفة لمعالجة الأزمة لأن معظم الأحياء تئن من تراكم النفايات وأطنان القمامة، بالتالي يجب أن تكون الأولوية لإصحاح البيئة تفادياً لنشر الأمراض.
أدوار كبيرة
وفي ذات السياق، أشارت عضو مبادرة “البيئة والصحة أولاً” إلى أن “الشباب تحركوا بعفوية ودون انتظار للجهات الرسمية، من واقع واجبهم تجاه سكان الأحياء ودورهم الطبيعي في تقديم خدمات التطوع.
وأضافت “العمل كبير ويحتاج إلى جهود مضاعفة، لذلك نمضي بنجاح حتى الآن وينتظرنا عمل كبير من أجل إكمال خطوات المبادرة حتى تحقق أهدافها.
وأردفت : على رغم الظروف الصعبة التي يعاني منها الكثيرين، إلا أن الشباب تداعوا للنداء، ونعمل بانسجام ومحبة لتحقيق الغايات المرجوة.
حيوية ونشاط
من جانبها، قالت الناشطة في المبادرة زهور آدم إن “الشباب ينتظرهم عمل كبير خلال المرحلة المقبلة من أجل تنفيذ عديد المبادرات لإعادة الخدمات خصوصاً المتخصصين في البيئة والكهرباء وشبكات المياه.
وأشادت بجهود تطبيق عمليات إصحاح البيئة والنظافة التي ساعدت في الحد من انتشار وتوالد نواقل الأمراض.
ودعت آدم إلى “استمرار تطبيق عمليات إصحاح البيئة وتعزيز الصحة ومكافحة الأوبئة، مشيرة إلى أن “المبادرة تمثل نشاطاً ميدانياً يعكس حرص سكان الأحياء على التصدي لكل الأزمات.
وناشدت المواطنين بضرورة العودة إلى منازلهم للإسهام في تهيئة البيئة الملائمة وإعادة تطبيع الحياة، فضلاً عن أهمية فتح المستشفيات الخاصة والصيدليات التي ظلت مغلقة أكثر من عامين، وذلك للتخلص من النفايات الطبية والمواد الكيماوية لأنها تسبب إضراراً للإنسان والحيوان والبيئة.
تشجير وتجميل
بالتزامن مع عمليات إصحاح البيئة والنظافة، دشنت المجموعة الثانية من أصحاب المبادرة عمليات تشجير شوارع الأحياء.
وفي هذا الصدد، أوضح عزيز الطالب، أحد الموجودين في منطقة بيت المال بأم درمان، أنه “على رغم الظروف المعيشية للسكان العالقين والافتقار إلى الخدمات، شارك العشرات في المبادرة من خلال غرس أشجار النخيل والزهور على أنواعها للنهوض من ركام الكارثة التي ألمت بالمدينة بسبب تداعيات الحرب.
وتابع : أثارت الخطوة الإعجاب في منتديات السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي لما تحمله من رمزية للتحدي والمقاومة.
وأضاف الطالب في حديثه لمنصة (مشاوير) أن “المواطنين في الأحياء السكنية وفروا المكانس ومعدات النظافة لجمع القمامة من الطرقات وتسوية المطبات تمهيداً لتدشين مشروع البيئة الخضراء بزراعة الأشجار في شوارع المنطقة.
وأشار إلى أنهم “يعملون على تغيير الصورة النمطية المتعلقة بمشاهد الخراب والدمار إلى أعمال تعكس جمال البلاد وتنوعها، مع مشاركة صور الأعمال اليومية على نطاق واسع لكسر روتين الـ “سوشيال ميديا” المثقل بجراح الوطن وأخبار القتل والاغتصاب والتشرد.
ولفت إلى أن “تعدد المبادرات يسهم في إعادة الإعمار وحلحلة كثير من المشكلات المتعلقة بالبيئة وإنارة الشوارع وإزالة المخلفات، وكذلك القيام بعمل فاعل يسلط الضوء على دور السودانيين عبر التاريخ في إرساء قيم التكافل الاجتماعي والتطوع، بخاصة في وقت الأزمات والحروب والكوارث.