أطفال السودان .. مواليد الحرب بلا أوراق ثبوتية أو هوية 

أم درمان - تقرير - بخيتة زايد الصافي 

خلال الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ الـ15 من أبريل 2023، ولد آلاف الأطفال في البلاد وسط ظروف إنسانية صعبة وتحديات عديدة، خصوصاً عدم وجود وثائق تثبت وجودهم نتيجة توقف عمل المستشفيات والمراكز الصحية في مناطق النزاع المسلح وحتى ببعض المدن الآمنة خلال الأشهر الأولى للحرب، إذ فشلت مئات الأسر في استخراج الأوراق الثبوتية مثل شهادات الميلاد أو كروت التطعيم. 

وأضطرت مئات الأمهات للوضوع في مراكز الإيواء وتجمعات النازحين خلال فترة أمتدت لأكثر من عامين، وقد افتقدن شهادات الميلاد والأوراق الرسمية وعدم الاعتراف القانوني. 

ويواجه أبناء الحرب مصيراً مجهولاً، لا سيما بعد حرمانهم من التعليم والعلاج، والتهديد بفقدان حقهم في الجنسية، وهي واحدة من أخطر تداعيات الصراع المسلح. 

 

بدون هوية 

في السياق، تقول كلتوم عبد الله لمنصة (مشاوير) إنها “أضطرت لوضع مولودها الأول في مركز إيواء للنازحين بمدينة كوستي جنوب السودان وسط ظروف إنسانية صعبة للغاية، وعلى رغم مآسي النزوح ومواجع الشتات، إلا أنها كانت سعيدة بمولودها الأول

وأضافت : ما يحزنني حقاً أن طفلي حتى الآن لم يحصل على أوراق ثبوتية أو شهادة ميلاد، بالتالي فلا أحد يعترف به من ناحية قانونية، وهو أمر مؤلم للغاية.

وتابعت : لا زلت لدى أمل في أن أحصل على أوراق ثبوتية بخاصة وأنني واجهت مصاعب عدة عندما شرعت في بدأ جرعات التطعيم، إذ لا أملك أي إثبات يخص طفلي.

 

حرمان من الحقوق 

الناشطة في مجال حقوق الطفل عازة خضر قالت لمنصة (مشاوير) إن ” غياب شهادة الميلاد لا يعني عدم الاعتراف بالطفل، بل يعني حرمانه من سلسلة كاملة من الحقوق، فمن دونها لا يمكن للأطفال الحصول على تطعيمات رسمية، أو دخول المدارس، أو حتى الحصول على علاج في بعض المستشفيات التي تتطلب أوراقاً رسمية.

وأوضحت أن “هناك حالات يرفض فيها تسجيل الطفل لاحقاً بسبب عدم توفر شهود أو مستندات من القابلة التي أشرفت على الولادة. 

وأشارت خضر إلى أن “استمرار هذا الوضع المعقد يقود لأزمة وطنية في تصنيف جيل كامل من الأطفال كمجهولي هوية على رغم أنهم أبناء هذه الأرض، ففي ظل تهاوي مؤسسات الدولة يبدو أن الورقة التي توثق الميلاد باتت رفاهية لا يملكها كثر. 

وتابعت : مع مرور الوقت يتحول الغياب الموقت للهوية إلى مشكلة دائمة تلاحق الطفل مدى الحياة.

 

معالجة الأوضاع 

على الصعيد نفسه، يرى الباحث الاجتماعي سليمان فضل أن “كثير من أطفال الحرب ولدوا في مراكز الإيواء، ويكبر آلاف اليافعين وهم محرومين من أبسط حقوقهم بخاصة مسألة الاعتراف بوجودهم قانونياً.

وأضاف في حديثه لمنصة (مشاوير) : هؤلاء الأطفال وُلدوا وسط الحرب والنزوح والفقر، ولا يملكون أوراقاً ثبوتية تؤكد هويتهم، الأمر الذي يضعهم في خانة “اللامرئيين” بالنسبة إلى مؤسسات الدولة. 

وتابع : الوضع الحالي يتطلب تكوين آلية وطنية تضمن تسجيل الأطفال بأثر رجعي، لتفادي مزيد من الانهيار في البنية الاجتماعية. 

ونوه فضل بأن “هذا الجيل من الأطفال بلا هوية يمثل قنبلة اجتماعية موقوتة، في حال لم تتخذ خطوات عاجلة لمعالجة أوضاعهم القانونية.

 

آليات وحلول 

على نحو متصل، قال المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان طارق محجوب لمنصة (مشاوير) إن “السودان ومع طول أمد الحرب أمام جيل مهدد بالحرمان من كل الحقوق الأساسية، والمشكلة ليست قانونية فحسب، بل هي إنسانية في جوهرها. 

وطالب محجوب الحكومة ومنظمات المجتمع المدني باتخاذ خطوات سريعة لتسوية أوضاع هؤلاء الأطفال عبر إتاحة آليات استثنائية لإثبات النسب. 

مشدداً على ضرورة “ألا تصطدم العملية بتعقيدات قانونية وبيروقراطية، إذ لا بد من تبسيط إجراءات التثبيت القانوني، وتفعيل المحاكم، وتوفير حلول خاصة للأطفال مجهولي النسب أو مجهولي الأب أو الأم، لتجنيبهم حياة التهميش، خصوصاً أن هؤلاء الأطفال لم يختاروا أن يولدوا بلا أوراق، هم ولدوا في الزمان والمكان غير المناسبين.

Exit mobile version