في عالم كرة القدم، اعتدنا أن نسمع ضجيج المدربين أكثر من وقع خطواتهم. كثيرون يأتون ويذهبون، يتركون عناوين قصيرة، ثم تمحوهم ذاكرة النتائج.
وفي كرة القدم أيضًا، ترتفع الأصوات سريعًا، ثم تخفت مع أول صافرة نهاية. لكن حين يسير أصحاب العقول الكبيرة بثبات، لا يحتاجون إلى صخب؛ خطواتهم الواثقة وحدها تصنع الأثر وتوقظ في النفوس حنين الانتصار.
(خالد جوليت) لا تسأله عن التصريحات، اسأله عن الخطط. لا تبحث عنه في العناوين العريضة، بل في تفاصيل المشهد. نزل إلى أم روابة، لا كمدرب يتقاضى راتبًا، بل كمشروع يمشي على قدمين، يحمل الفكرة، ويعرف الطريق.
حين التحق بـ”الزمالة”، لم يكن الفريق أكثر من صفحة مطوية في دفتر المنافسات. اليوم، صار اسمه مكتوبًا بالحبر العريض. لم يغيّر جوليت خارطة الفريق فقط، بل غيّر مزاج المدينة. جعل الكرة حديث المجالس، والأمل زاد الجماهير.
في عينيه كانت الخريطة، وفي صمته كانت الرسالة. وحين نطق، قالها مثل من يعرف إلى أين تمضي القوافل: “سننتصر… لأننا نؤمن.” لم تكن جملة، بل وعد، سارت خلفه الأرواح قبل الأقدام.
الزمالة لم تعد محطة عبور، بل صارت وجهة. فريقٌ بات الكبار يتحسّبون له، لأنه يملك مشروعًا بحجم الحلم. تحت قيادة جوليت، تحوّل اللاعبون إلى مقاتلين، وتحول التدريب إلى مختبر للروح والانضباط.
جوليت لا يصرخ من على الخط، لكنه حين يقف هناك، يعرف الخصم أن المسألة أكبر من مباراة. شاب، لكنه يُدرّس الهدوء، ويغرس الهيبة. لا يتردّد، لا يتلكأ، قراراته واضحة كأنها مرآة.
الذين تابعوا “الزمالة” هذا الموسم، لم يكونوا يتابعون فريقًا فقط، بل كانوا يشاهدون حكاية تُكتب. جوليت لم يأتِ بخطة فنية فقط، بل بنظام تفكير. لم يغيّر طريقة اللعب فحسب، بل غيّر طريقة النظر إلى ما يمكن أن تكون عليه الفرق حين تجد قائدًا.
والسؤال الذي يتردّد في الشوارع الضيقة وفي منصات النقاش:
هل ما فعله إنجاز رياضي؟ أم تغيير ثقافي؟
الحقيقة أنه كلاهما معًا. لأن المدرب الذي يؤمن بفكرته، يُشبه الشعراء الذين يكتبون القصيدة قبل أن تُقال.
وجوليت كتب القصيدة… والناس كلها حفظتها.
وإن سألتم أهل أم روابة:
ما الذي صنع الفارق؟
سيقولون:
كان … (جوليت)
* صحفي بشمال كردفان