هشاشة وتناقض 

حاتم الياس

من المؤكد أن حكومة بورتسودان تتآكل، فقد بنت تحالفها على حالة من الهشاشة والتناقض بين أطرافها، بجانب أن الحركة الإسلامية التي تتحكم في إدارتها هي نفسها لم تخرج من صدمة سقوط البشير، وتدير معركتها كخط أخير يدافع عن وجودها كجماعة عرقية أكثر من كونها تنظيمًا سياسيًا. 

وهو دفاع مركب في حالته، بين الرغبة في إثبات أنها صالحة للاستمرار كتنظيم، والدفاع المؤكد عن السلطة باعتبارها مصالح اقتصادية آلت إليها بسبب النهب، الذي اتخذ من شعار التمكين وسيلة لسرقة جهاز الدولة ومقدراته.

من جهة أخرى، فإن معظم المثقفين والأقلام التي تقف معها، بعضها ينطلق من حالة غُبْنة وثأر ضد قوى الحرية والتغيير، ويرى أنها إبان فترة حكمها لم تضع سعرًا مناسبًا لأفكاره ووجوده، أو أقلام صحفية اعتادت أن تعيش تحت رعاية السلطة، وصنعت بريقها في زمن كانت فيه الكتابة هي “الطشاش في بلد العماية”، وهؤلاء لا تستطيع أي سلطة أن تعتمد عليهم.

من جهة أخرى، فإن الرسائل التي وجهها بعض قادة “صمود” بنفس بارد وروح مُطايبة، وإن كنت أفهمها، فإنها ترغب في بذل النوايا الطيبة تمهيدًا للحوار مع جماعة بورتسودان. 

لكنني أفهمها، وبكل تواضع، ليست رغبة في السلام والتفاوض، وإنما محاولة أخيرة لإنقاذ السلطة التاريخية التي تمثل آخر نهايات عمرها حكومة بورتسودان.

بمعنى أن “صمود” لا تسعى حقًا للتحول المدني الديمقراطي ومبادئ الثورة، وإنما ترغب في عملية تفاوضية على الحد الأدنى، بحيث تسمح للجماعة التاريخية بأن تسترد أنفاسها وتعيد ترتيب المشهد، بتخدير الأزمة لا بقطع طريقها.

والمشكلة هنا ليست سياسية بقدر ما هي بنيوية، ترسم بشكل صارم حدود التفكير والمبادرة لمجموعة “صمود كافندية مبعدين من مركز القرار لكن قلبهم على من هم في مركز القرار. 

لكن في كل الأحوال، فإن سقوط بورتسودان بات عندي في حكم المؤكد، ذلك لأنها سلطة قامت كشأن ذاكرة وماضٍ وأغنيات وكرامة وبليلة وهتاف وأعيسر، وكامل وجود سلطوي عبارة عن زخرفة باهتة وعشوائية، لواقع تدق له اجراس الزوال.

Exit mobile version