وجهت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نداء “عاجلا للتضامن الدولي” مع مصر، حيث تجاوز عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين فيها المليون شخص، غالبيتهم العظمى من السودان المجاورة.
دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دول العالم للتضامن مع مصر حيث تجاوز عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين عتبة المليون شخص، غالبيتهم العظمى من السودان، وذلك عبر بيان نشرته على موقعها نهاية الشهر الماضي حزيران/يونيو.
وجاء في البيان ” يفسر هذا الارتفاع الكبير في الأعداد إلى وجود اللاجئين السودانيين الذين فروا من النزاع” في بلادهم.
وكان قد اندلع النزاع في السودان في نيسان/أبريل 2023، وتسبب بفرار الكثيرين عبر الدول المجاورة. وبحلول نهاية عام 2024، نزح أكثر من 14 مليون سوداني، من بينهم ما يقرب من 4 ملايين لاجئ في الدول المجاورة، وذلك منذ اندلاع الحرب التي تدور رحاها بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
مصر “أكبر مضيف للاجئين السودانيين”
وكان قد صرح يوجين بيون، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في 3 حزيران/يونيو، بأن هذا يمثل “أكبر أزمة نزوح في العالم”.
إلا أنه “وفقا لأرقام حكومية، استقبلت مصر، التي تُعدّ الآن أكبر مُضيف للاجئين السودانيين، أكثر من 1.5 مليون سوداني منذ بدء النزاع”، حسبما أضاف البيان.
في مصر، لم يسبق أن بلغ ضغط الهجرة هذا المستوى، وفق ما صرّح به سيباستيان هروي، رئيس العلاقات الخارجية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة، لمراسل “راديو فرانس أنترناسيونال”. وقال: “من حيث عدد طلبات اللجوء، تأتي مصر في المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة”. وأضاف: “في الوقت الحالي، يشكل السودانيون النسبة الأكبر من اللاجئين، بنسبة 74%، إلى جانب أشخاص من دول أخرى مثل إريتريا وجنوب السودان. هذا الوضع غير مسبوق إطلاقًا، إذ استقبلت مصر خلال العام الماضي ما يقارب ضعف عدد طلبات اللجوء التي تلقتها دول كبرى مثل ألمانيا”.
وقالت ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى الحكومة المصرية وجامعة الدول العربية حنان حمدان “إن هذا الحدث المأساوي يتجاوز مجرد الأرقام. إن مليون شخص يُمثل معاناة العائلات التي أُجبرت على الفرار، والأطفال المنفصلين عن آبائهم، والمنازل المدمرة، والمستقبل الضائع. إنه أيضا تعبير عن المثابرة وشجاعة اللاجئين في إعادة بناء حياتهم إلى جانب كرم مصر في توفير الأمان والتضامن”، حسبما نقل بيان المنظمة الأممية.
ونوهت المفوضية في بيانها إلى أنها تعمل بأقل من ثلث إيراداتها، وكتبت: “على الرغم من التعاطف الذي أبدته المجتمعات المضيفة المصرية والعمل الدؤوب لشركائها في المجال الإنساني، تعمل المفوضية حاليًا بـ 29% فقط من التمويل المطلوب، مما يترك فجوة قدرها 97 مليون دولار. وقد أدى هذا النقص إلى مزيد من الحد من موارد المفوضية، مما أثر بشدة على قدرتها على الاستجابة وتخفيف أثر النزوح على الفئات الأكثر ضعفًا، حيث لا تزال الموارد شحيحة للغاية”.
وناشدت العالم بالتحرك والمساعدة منبهة إلى أنه “نتيجة لذلك، فقد آلاف اللاجئين بالفعل المساعدات النقدية الشهرية التي يعتمدون عليها لتوفير مأوى لهم أو لقمة عيشهم، مما دفع الكثيرين إلى براثن الفقر المدقع. وتقلصت فرص الحصول على الرعاية الصحية، ويواجه ما يصل إلى 50 ألف طفل خطر التسرب من المدرسة. كما تم تقليص خدمات الحماية، مما يعرض الأفراد الأكثر ضعفا لمخاطر متزايدة”.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد وقع نهاية العام الماضي على قانون لجوء الأجانب الذي كان تبناه البرلمان والذي “تسري أحكامه على اللاجئين وطالبي اللجوء” و”على كل من اكتسب وصف لاجئ قبل العمل بأحكام القانون”. ويحمل القانون رقم 164 لعام 2024، ويتضمن 39 مادة، ويتناول عدة نقاط منها تعريف اللاجئ وإنشاء “لجنة دائمة لشؤون اللاجئين”، من ممثلين من عدة وزارات، ويحدد القانون مهامها ومواردها، إضافة إلى حالات رفض اللجوء والعديد من القضايا المتعلقة.
ولاقى القانون انتقادات من منظمات حقوقية، فبالنسبة لهيومن رايتس ووتش، فهو “يعيق عمل وكالات الأمم المتحدة والجهات التي تقدم خدمات حيوية وينتهك التزامات مصر بموجب القانون الدولي”.
إضافة إلى سوريين ويمنيين وليبيين
ويذكر أن مصر قبل النزاع مع السودان كانت قد استقبلت نحو مليون ونصف المليون سوريا منذ العام 2012 . وكانت قد قدرت المنظمة الدولية للهجرة في 2022 العدد الإجمالي للمهاجرين الدوليين المقيمين في مصر بنحو 9 ملايين شخص من أصل 133 دولة.
وكانت مذاك السودان متصدرة من حيث عدد المهاجرين الذي قدر بنحو أربعة ملايين، يليها السوريون بإجمالي عدد مليون ونصف ومن ثم اليمنيون مع تواجد نحو مليون يمني، وعدد مماثل تقريبا من الليبيين. وشكلت حينها هذه الجنسيات الأربع 80% من المهاجرين الدوليين المقيمين في البلاد.
وكان قد صرح مسؤول مصري في شباط/فبراير الماضي لهذا العام لوسائل إعلام محلية بأن مصر استقبلت أكثر من 103 آلاف فلسطيني عبروا معبر رفح، وأن نحو 89.500 فلسطينيا خضعوا للفحص الطبي في عيادات الحجر الصحي، وذلك على خلفية الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بعد هجمات شنتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023.
تأثير إيجابي لطبقة من المهاجرين
وفي ما يخص الأثر الاقتصادي لتنوع موجات الهجرة إلى مصر، ميز الكاتب الصحفي أكرم الألفي المهتم بملف الديموغرافيا، في مقابلة العام الماضي مع مركز كارينغي للشرق الأوسط بين اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، ونوه إلى التأثير الإيجابي لشرائح من المهاجرين قائلا إن “معظم السودانيين والسوريين الذين أتوا الي مصر يمكن اعتبارهم من المنتمين للطبقة العليا والمتوسطة العليا، وهم من أصحاب رؤوس الأموال الذين أتوا بشكل شرعي معتمدين على مدخراتهم ونجحوا في إقامة استثمارات متعددة ومن ثم العيش والاندماج”.
وأضاف الألفي “هذه الفئات لا تمثل بالتبعية عبئا على الحكومة المصرية وعلى الموازنة العامة، بل هي تعد إضافة اقتصادية لعدة أسباب؛ فمن جهة، وبما أن الحكومة المصرية تتخذ استراتيجية معلنة لتخفيض الدعم للسلع والخدمات للحد الأدنى، فإن المقيمين لا يشكلون عبئا على الموازنة والانفاق العام. من جهة ثانية، تقوم هذه الفئات بدفع مقابل الخدمات من صحة وتعليم وسكن بالدولار وبالتالي هم يمثلون مصدراً جيداً للعملة الأجنبية. من جهة ثالثة، يسهم وجود هذه الفئات في مصر في إعادة الحيوية لبعض القطاعات الاقتصادية كالعقارات والفندقة”.
وأعطى نماذج عن تجار أتوا من حلب السورية وأقاموا مشروعات صناعية وتجارية وقدر أن من السوريين يتواجد في مصر نحو مئتي ألف من أصحاب رؤوس الأموال التي تشغل ما بين 600 إلى 700 ألف سوري. وكذلك الأمر بالنسبة للسودانيين الذين تمركزوا تاريخيا في بعض الأحياء في القاهرة والتي أصبحت نقاط جذب وأثرت على ازدهار سوق العقارات.